من اليمن إلى فلسطين: أبعد من "الباليستي"
الجبهة الثقافية
الجبهة الثقافية

نضال خلف- كاتب فلسطيني*

من اليمن إلى فلسطين: أبعد من "الباليستي"منذ اليوم الأول لإعلان القوات المسلّحة اليمنيّة الحرب على الكيان الصهيوني، نزل الخبر على شعبنا الفلسطيني في غزّة وعموم فلسطين والشتات كزخّة المطر بعد جفاف، خصوصاً أنّه الموقف الرسمي العربي الأول لدولة وشعبٍ ومقاومة في نصرة شعبنا المظلوم في غزّة وعموم فلسطين.

وفي كلّ مرّة تنطلق فيها الصواريخ والمسيّرات اليمنيّة إلى أرضنا المحتلة، تبرد بعض آلام الجرح المفتوح في غزّة نتيجة الإجرام الغربي-الصهيوني ضدّ شعبنا الأعزل.

وأهميّة المشاركة اليمنيّة تتخطّى الأبعاد الميدانية المهمّة، والتي ستزيد حسابات العدوّ الأمريكي-الصهيوني تعقيداً في المنطقة، خاصّةً فيما يتعلّق بالتهديدات التي أطلقها السيّد عبد الملك الحوثي فيما يخصّ استهداف سفن العدو في البحر الأحمر. لكن على الصعيد السياسي-التاريخي، يقدّم اليمن لفلسطين ما هو أبعد من الصواريخ البالستية، وهو ما سنحاول تفنيده في هذا المقال.

لأكثر من 8 سنوات، خاض الشعب اليمنيّ مقاومةً شرسةً ضدّ العدوان الأمريكي بأدوات عربية، بهدف الدفاع عن استقلال قراره وتحصين إرادة الشعب اليمني في الدفاع عن خياره في مقاومة الهيمنة الأمريكية على منطقتنا وثرواتها. وإلى جانب استغلاله الأدوات العربية، ارتكز هذا العدوان على نقطتين أساسيتين كانتا سابقةً في الحروب الأمريكية على الشعب العربي، ألا وهما: الإجرام بلا حدود والتعتيم الإعلامي.

لا شكّ بأنّ العنف الغربي ضدّ الشعب العربي لم يبدأ اليوم، ونحن في فلسطين خير الشهود على موجات الإبادة وتفريغ الحقد العنصري الغربي بهيئته الصهيونية على أجسادنا وأراضينا ووجودنا. وخلال الاجتياح الأمريكي للمنطقة عام 1991، كان دور الإعلام أساسيّاً في تعزيز "هزيمة" الإنسان العربي وتضخيم قوّة العدو لإرهاب ما تبقّى من الشعب العربي نحو الخضوع. لكنّ عاملي الإجرام والتعتيم تكثّفا في العدوان على اليمن، بحيث كانت المجازر ضدّ الأبرياء والأطفال خبراً يوميّاً في جميع المناطق المستهدفة، مما أدّى إلى استشهاد عشرات آلاف اليمنيين من العزّل والأبرياء. والأسوأ من وقوع المجزرة كان التغطية عليها عبر قبضةٍ إعلامية خليجية على عقل المشاهد العربيّ خلال سنوات العدوان على اليمن. فمن جهة، تمثّلت هذه القبضة في سيطرة رأس المال الخليجي تحت ظلال القواعد العسكرية الأمريكية على الرواية التي تُنقل للشعب العربي في ظلّ غياب تام لأي رواية أُخرى، وهنا استباحت خذه القنوات العقل العربي عبر بثّ السموم المذهبية وتشويه حقيقة الصراع في اليمن لتبرير العدوان الهمجيّ على شعبه، بالإضافة إلى التعتيم الكامل على الجرائم المرتبكة من خلال ابتزاز أي صوت يُرفع للإضاءة على هذه المجازر. ومن هنا، كان على اليمنيين أن يخوضوا حربهم لمقاومتكم العدوان "بعيداً عن الأضواء"، متّكلين علىل إرادتهم وحسن إدارتهم للميدان ودعم الأصدقاء (المُحاصَرين أيضاً). وخوض المعركة وسط هذا التعتيم، على قساوته، أدّى إلى خلق نموذجٍ جديدٍ للمقاوم العربي، وهو ما يقدمّه اليمنيون اليوم للشعب الفلسطيني.

فنحن كفلسطينيين، عانينا وما زلنا نعاني في تعريف موقع قضيّتنا من العالم. فمن جهة، كان التعتيم سيّد الموقف خلال العقود الأولى لحرب الإبادة المعلنة علينا، وهو ما دفعنا إلى إطلاق ثوراتٍ مسلّحة وانتفاضات مستمرّة. ومع صعود خيار "الاستسلام" المتمثّل بالحلول السلمية، أُدخلت قضيّتنا إلى المسرح العالمي، لكن بأضواءٍ تُعمي ولا تُنير. وفرض علينا أن نبحث عن تعريف قضيّتنا ضمن قوالب يعترف بها "العالم"، والعالم هنا ليس سوى معسكر الأعداء من واشنطن إلى تل أبيب. ووصل بنا الحال إلى تشكيك البعض في شرعية الكفاح المسلّح، خاصّةً بعد تفشّي خطاب الهزيمة إثر اتفاقية أوسلو وما نتج عنها من سلطة ونخب عميلة للاحتلال ومستفيدة من الوضع القائم. وعلى الرغم من الاحتضان الشعبي للمقاومة الفلسطينية في غزة وبعض مناطق الضفة الغربية، ظلّ جزءٌ من الخطاب الإعلامي والفكري والسياسي مشدوداً نحو تحصيل "قبولٍ" غربي ومسقوفاً بابتزاز الأنظمة العربية العميلة تحت شعار "الحضن العربي".

لكنّنا اليوم، وبعد أكثر من 13,000 ألف شهيد وعشرات آلاف الجرحى، وأمام كلّ ما نراه من قذارة ووحشيّة لم يعرفها الإنسان من قبل، وسط دفعٍ ومساندة وتغطية أمريكية-غربية-عربية، بإمكاننا بكلّ ثقة القول بأنّ وهم الكفاح ضمن شروط الغرب قد سقط فلسطينياً على كافة الصعد. وهنا يأتي دور النموذج اليمني، الذي يقف أمامنا شامخاً وصارخاً بالحقّ بلا أقنعة وبلا تردّد. فدخول اليمن شعباً وقيادةً وجيشاً في الحرب رغم كلّ المخاطر المحيطة به من حصارٍ وتجويعٍ ومن آثار العدوان القائمة إلى اليوم، تنبئنا كفلسطينيين بأنّ صمودنا ومقاومتنا قادرةٌ حتماً على تحقيق السيادة رغم جبال الألم في قلوبنا. وبالتالي، فإنّ نزول الكفاح الفلسطيني من مسرح مرضاة الغرب والعودة إلى مربّع انتزاع الحقّ من العالم متسلّحين بقوّتنا وإرادتنا ودعم الحلفاء الصادقين كاليمن، هو الردّ الأمثل على الجريمة القائمة اليوم ضدّ شعبنا في غزة.

ونحن إذ نحيّي مواقف وأفعال شعبنا العربيّ الأصيل في اليمن، نجد أنفسنا على الدرب اليمنيّ بأننا سنكون بدورنا ذلك الشعب الذي صنع نصره بإعجازٍ في وجه عالمٍ متآمر، فخرج من تحت الركام حرّاً، والحريّة لأيّ عربيّ قياسها القدرة على رفع شعار "الموت لأمريكا" قولاً وفعلاً.

*نقلا عن : المسيرة نت


في الثلاثاء 21 نوفمبر-تشرين الثاني 2023 06:43:36 ص

تجد هذا المقال في الجبهة الثقافية لمواجهة العدوان وآثاره
http://www.cfca-ye.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.cfca-ye.com/articles.php?id=11257