الشهيد زيد علي مصلح.. قُدوةٌ للأحرار والثوار ونموذجٌ للقادة العظماء والأبطال الكرماء.. روحُ العطاء
الجبهة الثقافية
الجبهة الثقافية

كان صادقاً ومصدِّقاً لكل ما وعد اللهُ أولياءَه المؤمنين في القرآن

من أول مَن حملوا هَمَّ القضية الفلسطينية منذ وقتٍ مبكر

حمل روحَ الإنسانية بكل ما تعنيه الكلمة ولا تكادُ ترى موطئاً يكونُ لله رضا إلَّا وله بصماتٌ فيه

 

روحُ العطاء

المسيرة| عبد الكريم سند:

من جديدٍ تعودُ ذكرى الشهيد وتعودُ معها حكاية المجد وملاحم البطولة والتضحية في سبيل الله، وبين هذه الأسطر القليلة والمتواضعة، بل ومع حلول هذه الذكرى العظيمة بعظم أصحابها أرباب الهدى وصناع الانتصار.

كان لزاماً علينا أن نكتُبَ ونتحدث ونرويَ شيئاً وإن كان بسيطاً وقليلًا، حَيثُ لا عطاءَ يضاهي عطاء العظماء، ولا مجد يعلو فوق مجدهم.

هيا معاً لنعودَ من جديد فنحلق بأفكارنا ونستذكر بألبابنا، حَيثُ البداية لمشوار الهداية والجهاد والشجاعة والوفاء والتسليم والإقدام، فنحط الرحال، حَيثُ يجب أن يكون حديث رحالنا وترحالنا.

وفي حَضرة الشهيد العظيم والقائد الصبور، رفيق الشهيد القائد وربيب الهدى الأول رجل المنابر وفارس الميدان، إنه حمزة العصر الشهيد زيد علي مصلح؛ فبأي لسان نستطيع أن نكتب عن هذا الرجل العظيم والهامة الكبيرة والموسوعة الكبرى؟!

تأبى الروح، بل وترفض الأنامل إلَّا أن تكتب وتتحدث عنه ولو ببعضٍ من بعض ما كان يتميز به من صفات جسيمة ومزايا فريدة حتى استطاع أن يصبح نموذجاً للعظماء ومدرسة للعلماء والأدباء وملحمة للعطاء وقُدوةً للثائرين.

ومن بين كلماتي وأسطري هذه وفي ظل ما سأكتبه هنا، سأروي بعضاً مما كنت أراه بل وأشهده لذلك الرجل العظيم، حكمةً.. وأدباً.. وعلمًا.. وشجاعةً.. وهيبةً قلّ نضيرها.

آية عظيمة، وذات معانٍ عميقة، كنت أسمعها مراراً وتكراراً من فم الشهيد زيد علي مصلح سند، وهي قوله تعالى: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إلى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْـمُشْرِكِينَ)، ومن خلال هذه الآية وما تحويه من معانٍ ودلالات عظيمة نعرف قطعاً أنه صاحب بصيرةٍ نافذة وقولٍ سديد وشجاعةٍ فريدة وعلاقةٍ بالله قوية.

وطالما كان يردّد ذلك البيت الذي يقول:

“يا ذا الذي أنس الوجود بذكره، ما إن سواك أريد”.

ومما كان يردّده كَثيراً تلك الكلمات المشهورة:

“إلهي أنا بك كُـلُّ شيء وبغيرِك لا شيء”.

الشهيد زيد علي مصلح، كان صادقاً ومصدِّقاً لكل ما وعد الله أولياءَه المؤمنين في القرآن؛ فحين نتطلع ونقرأ في ملازم الشهيد القائد -رِضْــوَانُ اللهِ عَلَيْهِ- نرى أن الشهيد زيد كان من أكثر الناس تطبيقاً لتلك الإيجابيات؛ فمثلاً عندما نتأمل ذلك النص العظيم والمشهور للشهيد القائد حين يقول في ملزمة معرفة الله، الثقة بالله معنى لا إله إلَّا الله، الدرس الأول:

“لو صدّقنا كما ينبغي وعد الله سبحانه وتعالى للمؤمنين، وعد الله لأوليائه، وعد الله لمن يكونون أنصاراً لدينه، ما وعدهم به من الخير، والفلاح، والنجاح، والسعادة، والعزة، والكرامة، والقوة في الدنيا، وما وعدهم به في الآخرة من رضوان، من جنات عدن، لو صدقنا بذلك كما ينبغي لما رغبنا في أحد، ولما رهبنا من أحد، لكانت كُـلّ رغبتنا في الله، وفيما عنده، وفي رضاه، وكلّ رهبتنا من الله، ومن وعيده، وغضبه، وعقابه”.

نرى الشهيد زيد هو من آمن وهو من صدق وهو من كانت كُـلّ رغبته في الله وفي رضاه، فلم يرهب أحداً إلَّا الله.

حيث كان يأمر بالمعروف وإن لم يناصِرْه أحد، كانت روحه تميل وبشغف إلى الجهاد في سبيل الله، حيث كان الجهاد هو محور حديثه وحياته بكلها، حتى استطاع طلابه وكلّ محبيه أن يستقوا منه تلك الروحية العظيمة، والذين نرى الكثير منهم ما زالوا موجدين وإلى اليوم.

كان جهادياً، ثورياً بكل ما تعنيه الكلمة، وله الكثير من الأبيات في هذا المجال، منها قوله:

“أفق وانطلق كالشعاع النديّ.. وفجّر من اللّيل فجر الغدِ

وثب يا ابن أمّي وثوب القضا.. على كُـلّ طاغ ومستعبدِ

وحطّم ألوهيّة الظالميـ.. ن وسيطرة الغاصب المُفسدِ

وقل للمُضلّين باسم الهدى.. تواروا فقد آن أن نهتدي

وهيهات يبقى الشباب.. جريح الإبا أَو حبيس اليدِ

سيحيي الشباب ويحيي الحمى.. ويُفني عُداة الغد الأسعدِ

ويبني بكفَيه عهداً جديدًا.. سَنِياً ومُستقبلاً عسجدي

وعصراً من النور عدلَ اللّوا.. طهور المُنى أنف المقصدِ”.

 

من أول من حملوا هَمَّ القضية الفلسطينية:

ويكفيه فخراً أنه من أول من حملوا هَمَّ القضية الفلسطينية ومن وقتٍ مبكر، كان ذلك الهَمُّ الكبير هو من يجثمُ فوقَ صدره، وهذا ما لمسناه في كتاباته وأشعاره التي كانت تلقى، والأغلب منها كانت تنشدها فرقة الرسالة.

لقد كان صدره مليئًا بالهَم الكبير ليس لقضية واحدة فحسب بل ولكل الشعوب المستضعفة على رأسها فلسطين، كذلك البوسنة والهرسك والشيشان والأفغان وغيرهم.

ولقد كان -رِضْــوَانُ اللهِ عَلَيْهِ- حريصاً كُـلّ الحرص حتى على مستوى أسرته وأقاربه كيف ينشؤون المنشأ الصحيح فيحملون الهَمَّ والقضية؛ فكان يقولُ لنا: إذَا سكتنا وجمدنا ورضينا بحالة الاستسلام فما هو البديل! إلَّا الإهانة واستحكام قبضة الطغاة والمجرمين.

وهذه الروحية هي فعلاً ما تذكرنا بنص هام للشهيد القائد حين قال:

(البعض من أبناء هذه الأُمَّــة كان موقفهم وخيارهم هو الصمت، والسكوت، والإذعان، والاستسلام، والخنوع، والتوقف عن أي عمل، وعن أي تحَرّك لمناهضة الهجمة الأمريكية والإسرائيلية، والتصدي لها، وكانوا أَيْـضاً ينشطون ويتحَرّكون في اتّجاه التبرير لخيارهم بالنيل من كُـلّ موقفٍ يختلف معهم، ويتجه نحو التصدي لهذا الخطر الكبير على أمتنا الإسلامية، فكما نرى كلا هاذين الموقفين لا ينطلق من واقع مسؤولية، ولا من دراسة صحيحة، ولا من منطلقات صحيحة).

الشهيد زيد كان يحمل روح الإنسانية بكل ما تعنيه الكلمة، ولا تكاد ترى موطئاً يكونُ لله فيه رضًا إلَّا وللشهيد زيد بصمات وبصمات أينما حَـلّ وحيثما نزل، فمثلاً على المستوى الاجتماعي وخدمة الناس والمجتمع كان له الدور الأبرز والأمثل في خدمة المجتمع ومشاركة الناس همومهم وأفراحهم وأحزانهم.

يحرص كُـلّ الحرص على تفكيك وحلحلة مشاكل الناس فيستغل المناسبات كيفما كانت لتفعيل دور التذكير المُستمرّ في شد الناس إلى الله وتذكيرهم بمسؤولياتهم الكبيرة تجاه أنفسهم وأهليهم ودينهم وقضاياهم الكبرى حتى استطاع أن ينهض بذلك المجتمع دينياً وفكرياً وتربوياً وثقافيًّا وجهادياً وفي كُـلّ المجالات.

فكان ممن انطبق عليهم كلام الشهيد القائد -سَلَامُ اللهِ عَلَيْـهِ- في ملزمة في ظلال مكارم الأخلاق، الدرس الأول، حين تحدث وقال: إن جندي الله مهامه تربوية، مهامه تثقيفية، مهامه جهادية، مهامه شاملة، يحتاج إلى أن يروض نفسه؛ فإذا ما انطلق في ميادين التثقيف للآخرين، الدعوة للآخرين، إرشادهم، هدايتهم، الحديث عن دين الله بالشكل الذي يُرسِّخ شعوراً بعظمته في نفوسهم فَــإنَّه يجبُ أن يكونَ على مستوىً عالٍ في هذا المجال.

 

 الشهيدُ زيد علي.. قدرةٌ كبيرة على التأثير في الناس

الشهيد زيد علي كان يمتلك القدرة الكبيرة والأُسلُـوب المؤثر في كيف يؤثر في الناس كيفما كانوا وكيفما كانت توجّـهاتهم وصعوبة نفسياتهم وتقبلهم للهدى، فكان -رِضْــوَانُ اللهِ عَلَيْهِ- ذلك النموذج القرآني المتكامل الذي يحتذى به ويقتدى به في كُـلّ المجالات، حتى إذَا ما جاء فجر انطلاقة المسيرة القرآنية كان السابق لخيرها والربيب لقائدها والمستوعب لهداها والترجمان الأوحد لما يقوله القائد العلم؛ حَيثُ كان للشهيد القائد الأخ والحامي والناصر.

كان الشهيد القائد -رِضْــوَانُ اللهِ عَلَيْهِ- يلقي الدرس فيستوعبها الشهيد زيد -سَلَامُ اللهِ عَلَيْـهِ- استيعاباً كاملاً فيتحَرّك مباشرةً لإيصالها للناس وبشتى الطرق الفنية المختلفة، فيوصلها للمصلي في المسجد، وللمزارع في مزرعته، ولكل طبقات المجتمع.

فكان الشهيد القائد يطمئن كُـلّ الاطمئنان أن من خلفه رجلاً كمثل الشهيد زيد علي مصلح يستطيع أن يعتمد عليه في كُـلّ المهمات وفي كُـلّ الظروف الصعبة.

وهكذا استمر الشهيد زيد -رِضْــوَانُ اللهِ عَلَيْهِ- في مسيرته القرآنية والجهادية جنباً إلى جنب مع الشهيد القائد -سَلَامُ اللهِ عَلَيْـهِ- إلى أن جاءت شرارة العدوان في الحرب الأولى ليكون للشهيد زيد علي مصلح النصيب الأوفر من البذل والعطاء والنفير السريع، حَيثُ هب وَبقوة حاملاً سلاحه للدفاع عن دينه وقائده وأرضه وأبناء بلده، متخذاً من منطقة الخربان محراباً للجهاد والعبادة والاستشهاد، مسطِّراً كُـلّ تلك الملاحم والبطولات حكمةً وشجاعةً وتسليماً لقائده، وما إن تصله رسالةٌ من الشهيد القائد -رِضْــوَانُ اللهِ عَلَيْهِ- حتى يصنعَ منها خطةً عمليةً وعسكريةً لا يوجدُ لها مثيل.

وتمُرُّ أَيَّـام المعركة لتمر معها بطولاته وتضحياته وتفانيه في سبيل الله حتى أن العدوّ بنفسه كان يميز ضرباته ويعرف شدة بأسه أكثر من غيره، فيحسب لجبهة ومواقع الشهيد زيد ألف حساب، وهكذا استمرت معركة العطاء، واستمر معها صمود وثبات ذلك الرجل العظيم، واستمر معها تأييد الله وعونه ومعيته لذلك البطل العظيم.

والشهيد القائد يبارك كُـلّ تلك البطولات الحيدرية التي يسطرها الشهيد زيد -رِضْــوَانُ اللهِ عَلَيْهِ- إلى أن اقترب المطاف، حَيثُ الاصطفاء الإلهي بعد أن أذاق الخصم كُـلّ ألوان الهزيمة والهوان، حتى جاء فجرُ الشهادة والتي كتب عنها قائلاً:

“لفجر الشهادة قلنا نعم.. وللذات لا، لا، ولا للصنم

نعم للكتاب نعم للقتال.. ولا للسُّهاد ولا للعدم

نعم للجهاد نعم للنضال.. ولا للحياة بحُلْك الظُلَم

نعم للرصاص بصدر العِداء.. ولا للإهانة لا للألم

ورب البرية لن نستكين.. ولن نعلن الذل بعد القسم

نُفجِّر في الأرض أفكارنا.. لنُشفي بالنور جُرح الأمم

ونُعلي القرآن وأحكامه.. لكي يترك الظلم من قد ظلم”

وحقاً أوفى بما عاهد اللهَ عليه صادقاً، مخلِصاً، نقياً، طاهرَ الفكر والسريرة، وعلى إثر تلك الكلمات التي كتبها في جدار مترسه حين قال: “سأجعل من مترسي هذا سُلَّماً للنصر أَو معراجاً للشهادة”.

ولقد شهدت “مران” في يوم استشهاده أكثرَ من 50 طلعةً لطيران المعتدين، في دلالة على الرعب الذي اعتراهم من هذا القائد الهصور.

وعندما وصل خبر استشهاده إلى السيد الشهيد القائد “حسين بدرالدين الحوثي”، قرّر الإسراع في تدارك الموقف، ونزل إلى الموقع رغم خطورة الوضع بصحبة 8 من رفاقه، وتمكّن من تحريره، ودحر المعتدين، وأمر بدفن السيد “زيد” في نفس الموضع الذي اُستشهد فيه، على أمل أن يتم تشييعه ودفنه في مكان مناسب يليق بمقامه في قلوب الناس، وتمتم والعبرة تخنُقه، قائلاً: (“وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ”، رحم الله أخي الشهيد زيد فقد نال ما تمنى وتُوَّج وساماً رفيعاً بالشهادة، وصار في مصاف الأولياء، ورفض الخنوع في زمن الذل).

هكذا كان الشهيد العظيم والقائد الصبور والحكيم الجسور، سيدي الشهيد زيد علي مصلح سند، قُدوةً للأحرار والثوار ونموذجاً للقادة العظماء والأبطال الكرماء، وما أحوجنا اليوم لاستلهامِ سيرة العظماء والكرماء أمثال هذا الرجل العظيم، فسَلَامُ اللهِ عَلَيْـهِ يوم ولد وحين عاش حياته كلها لله ويوم جاهد في سبيل الله وحين استشهد؛ مِن أجل إعلاء كلمة الله.

* نقلا عن :المسيرة


في الثلاثاء 05 ديسمبر-كانون الأول 2023 11:57:22 م

تجد هذا المقال في الجبهة الثقافية لمواجهة العدوان وآثاره
http://www.cfca-ye.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.cfca-ye.com/articles.php?id=11616