إنه زمن فلسطين!
الجبهة الثقافية
الجبهة الثقافية

عبير بسّام*

عادت القضية الفلسطينية لتتصدّر واجهة الأخبار في العالم. طبعًا، هناك من يحلم أن يفتح عينيه ويستيقظ من كابوس طويل كان عماده مقاتلو القسّام الذين زلزلوا الكيان الإسرائيلي والأميركي، وكل الكيانات القاتلة التي استضعفت العالم وشعوبه. وبالرغم من الدمار وألم المجازر التي يرتكبها الصهاينة والأميركيون، لا يمكننا إلا أن نسمع زغاريد النصر في آخر الطريق، ونرى النور المتوهج في وجوه مقاتلي المقاومة وقد أعادوا فلسطين إلى واجهة العالم.

من الطبيعي أن نحلم بهؤلاء الرائعين مهما كانت أسماؤهم والمدن الفلسطينية التي يقاتلون فيها، إذ يكفيهم فخرًا أنهم فلسطينيون، وأنهم أعادوا فلسطين قضية أولى على روزنامة العالم، وأنهم مرّغوا أنف أقوى القوى العاتية على الأرض، وأعادوا القضية التي تجمع العرب وكل أولئك الذين ما تزال تزينهم إنسانيتهم ليقولوا نحن عرب ولا نخجل، نحن صورة الإسلام الحقيقية، نحن صورة العروبة الحقة وأنت يا فلسطين كنت ومازلت القضية، وليقول كل أحرار العالم في أناشيدهم "تحيا فلسطين وتسقط اسرائيل". فنحن نحلم بالتحرير وبالنصر على قاتل الأحلام وقاتل الأطفال والخونة المستعربين.

زمن فلسطين اليوم ليس ضربًا من الخيال، وليس "فنتازيا" جميلة، إنه الحقيقة التي أثبتت أن فلسطين عصية على الزوال. ما أجمل المقاومة وقد أعادت تنبيه الضمائر النائمة، في حين ستكون على يدها نهاية الضمائر الميتة التي وقفت تتفرج على قاتل المدنيين والأطفال تهلل له لخمسة وسبعين عامًا حتى اليوم. ومع ذلك، وبالرغم من الألم والجراح والمجازر، تضيء شمس ساطعة يخرج نورها من فوهات المدافع والبنادق التي يطلق منها المقاومون النار على الكيان الصهيوني. وقد سقط مع المقاومة في فلسطين صوت الطائفية البغيضة، والتي كانت تسمي المقاومات بانتماءاتها الطائفية في محاولة لمحاربتها وإظهارها على أنها حكر لطائفة دون طائفة أخرى، وما ثبت وعلى رأس السطح أن المقاومة هي منهج الأحرار الذين لا يستطيعون خذلان أهلهم وتراب أرضهم.

أثبتت المقاومة صحة المبدأ السوري في أن الدفاع عن المقاومة يعني الدفاع عن الوطن، لأن غزة اليوم تدافع عن فلسطين، وفلسطين تدافع عن سوريا، وفلسطين تدافع عن الدول العربية كلها. كذلك الوضع بالنسبة إلى المقاومة في لبنان، المقاومة الاسلامية تدافع عن الجنوب، وتدافع عن كل لبنان وتدافع عن سوريا وتدافع عن العرب أيضًا. كما أثبتت المقاومة بأنها الترياق الأقوى في مواجهة الطائفية؛ لأنها العنوان الوطني الجامع والعنوان القومي الجامع، كما جاء في كلام الرئيس السوري بشار الأسد، والذي دفعت بلاده ثمنًا باهظًا جدًا لأنها دافعت عن المقاومة.

المقاومة التي وقفت في وجه الكيان، عرّت صورته، فالعملية التي ابتدأت مع طوفان الأقصى في السابع من تشرين الأول/ اكتوبر، طافت على العالم بأسره، وهي تذل الكيان الوحشي بتقنياته المتقدمة في القتال وخططه العسكرية الفذة. انكسرت صورة الكيان الزائفة وجبنه ووحشيته، من خلال الانتقام الذي مارسه ضد المدنيين في غزة، من قتل للأطفال ومحاصرة المستشفيات وقصف المساجد والكنائس. ظهرت وحشيته بادية للعيون في كل أنحاء العالم، والدليل تلك المظاهرات التي خرجت طوفانًا في جميع أنحاء العالم مطالبة بوقف الوحشية والقتل.

وأهم ما في ذلك، لقد بات العالم بأكمله يشهد، وخاصة العالم الغربي وفي كبرى مدن الولايات المتحدة وأوروبا، الشعارات المرفوعة والحناجر التي تصدح: "فلسطين حرة" ويطالب بتحرير فلسطين، وباتت هذه من أهم الشعارات التي رفعت في جميع أنحاء العالم. لقد جاء زمن انتصار فلسطين، وازدادت الموثوقية بصدق قضية الشعب الفلسطيني حول العالم بعد أن كان البعض يشكك بها، وازداد ثبات المقاومة واشتدت ضراوتها وحدّتها.

لقد تغير العالم وخاصة في الغرب الذي كان لا يجرؤ على التشكيك بالرواية الصهيونية، ووجد ضالته في الهروب المبدئي إلى تجريم الصهيونية حتى لا يقع ضحية العداء للسامية، وبدأ يفصل فعليًا ما بين مفهوم اليهودية والسامية من جهة، ومفهوم الصهيونية وربطه بالإجرام من جهة اخرى، أو يهرب إليه ولا يهم! المهم أن العالم بدأ بطرح الأسئلة الصعبة البسيطة: لماذا تهمشون حياة الفلسطينيين؟ وذلك على معظم البرامج التي تتحدث عن "الأزمة المستجدة" في فلسطين. وهل حياتهم مهمة كما حياة "الإسرائيليين"؟ وإذًا لماذا لا تخبرونا أسماءهم وأسماء عائلاتهم وأعمارهم، كما تذكرون أسماء "الإسرائيليين"؟
 لقد تغير العالم، إلى ما لا عودة، وقوانين الولايات المتحدة الجديدة التي ستحاكم العداء للصهيونية على أنه امتداد للعداء للسامية، لن تؤتي أكلها، بل لربما سنشهد بعد أن يهدأ صوت المدافع اجتياحات جديدة لشوارع الغرب تطالب ليس فقط بمحاكمة الصهاينة محتلي فلسطين وقاتلي الأطفال ومفجري البيوت وقالعي أشجار الزيتون، بل إلى كذلك حكام الغرب الذين يحتفلون ويفتخرون بصهيونيتهم. والدليل في ذلك تراجع شعبية جو بايدن في الولايات المتحدة، والتخوف من عودة دونالد ترامب ومساندة الصهيونية، والأمر ينسحب على إيمانويل ماكرون في فرنسا وريشي سوناك في بريطانيا، وجاستن ترودو في كندا و...

ما حصل من قتل للأطفال والرضع والخدج الذين لا قدرة لهم على الدفاع عن أنفسهم، واستهداف المباني الاستشفائية والطواقم الطبية وقتلها وهي تعمل في المستشفيات ومشهد دمار غزة الذي يشبه مشاهد الأفلام الأميركية عندما تقع فيها كوارث طبيعية كبرى، أو حين تهاجمها قوة محتلة من الفضاء، أبدًا لن ينساه العالم كله. إن ما حصل لن يرمم أبدًا. وعلينا أن نسجل، أن أهم ردات الفعل هي تلك التي انطلقت في الجامعات بين الطلاب حول العالم وخاصة في الولايات المتحدة، نحن نعلم جميعًا ومن تجربتنا الخاصة، أن كل يوم قضيناه من عمرنا في الجامعة لا يمكن أن يمحى من الذاكرة، وذاكرة هؤلاء باتت حبلى وخاصة في الولايات المتحدة وبريطانيا، وحين تلد ستأتي بالدمار على كل ما يمت للصهيونية بصلة، لذلك فإن الزمن هو زمن غزة اليوم، والانتصارات التي تسطرها مقاومتها في الميدان وفي بأسها في ضبط النفس وإثبات إنسانيتها عبر معاملة الأسرى والمستضعفين وإن كانوا من الأعداء ستعيد شجر الزيتون إلى الكروم وسترتفع البيارات من جديد، والفلسطينيون هم من سيجنون زيتونهم ويعصرون زيتهم ويقطفون بياراتهم.. إنه زمن فلسطين، زمن الانتصارات.

* نقلا عن :موقع العهد الإخباري


في الخميس 21 ديسمبر-كانون الأول 2023 12:23:46 ص

تجد هذا المقال في الجبهة الثقافية لمواجهة العدوان وآثاره
http://www.cfca-ye.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.cfca-ye.com/articles.php?id=11977