|
موضوع حديث الولاية في غدير خم لا يختلف عليه المسلمون بل يقول غالب رجال المذاهب بصحته وهو ثابت عند أهل السنة كما هو ثابت عند غيرهم من الشيعة والسؤال الذي يطرح نفسه هو ما الذي يغضب الكثير ممن ينتمون إلى السنة اليوم من الاحتفال بعيد الغدير كما شاع عند عموم الناس منذ قرون من الزمن؟
الموضوع كله لا صلة له بالعقيدة كما يدعون، فالنص واضح وتأويل بعض فقهاء السنة للنص اجتهاد فرضته الضرورة السياسية والاجتماعية والثقافية في زمنها وليس حجّـة على المسلمين حتى لا يحاولون تجديد السؤال الحضاري والثقافي في حياتهم وينظرون في شأن الناس والأحوال؟
الغدير والاحتفاء به ليس بدعة ولا هو جُرماً، بل ظاهرة ثقافية تبعث سؤالا وجوديا يفترض الوقوف أمامه بقدر وافر من الشعور بالمسؤولية الأخلاقية تجاه العرب والمسلمين، وتجاه ما آل إليه شأنهم، والهوان الذي وصلوا إليه.
الإمَام علي -عَلَيْهِ السَّـلَامُ- له من الفضائل والمكارم والحكمة ما لا يصل إليه أحد من المسلمين، وهو من عظماء الإسلام الذين فرضوا حضوراً مكثّـفاً في الفكر الإنساني، وحضوراً مكثّـفاً في حركة التاريخ وتموجاته، وهو اليوم يعتبر أحد مصادر التشريع للحقوق والحريات الدوليين كما أقرت الأمم المتحدة، وقد رأت في عهده للأشتر أول عهد تاريخي في حقوق الإنسان قبل أن يصوغ الفكر السياسي المعاصر عهد حقوق الإنسان في أربعينات القرن الماضي وما تلا ذلك من عهود، وكان العالم يفاخر بها حتى اكتشفوا الرسالة التاريخية أَو عهد الإمَام علي – عَلَيْهِ السَّـلَامُ للأشتر – فوجدوا أن المسلمين قد سبقوهم فرأت الأمم المتحدة في زمن كوفي عنان بأن تدرس في الأجهزة الحقوقية والقانونية، كما رأت ترشيح الإمَام علي كرم الله وجهه لكي يكون أحد مصادر التشريع للقانون الدولي، وبعد مداولات استمرّت لمدّة سنتين في الأمم المتحدة صوّتت غالبية دول العالم على كون عهد علي بن أبي طالب –عَلَيْهِ السَّـلَامُ- لمالك الأشتر كأحد مصادر التشريع للقانون الدولي وقد تمّ بعد ذلك إضافة فقرات أُخرى من نهج البلاغة غير عهد علي بن أبي طالب لمالك الأشتر كمصادر للقانون الدولي.
والفقرة التي أقرت تدريسها في مؤسّسات حقوق الإنسان هي قوله:
“وأشعر قلبك الرحمة للرعية، والمحبّة لهم، واللطف بهم، ولا تكوننَّ عليهم سَبُعاً ضارياً تغتنم أكلهم، فَإنَّهم صنفان: إمّا أخٌ لك في الدين، وإمّا نظير لك في الخلق”.
ومن المفارقات العجيبة أن يرى المخالف لنا في الثقافة وفي المعتقد وفي الدين فضائل رموزنا ونحن نغفل عنها بل وقد نقدح فيها، لا نرى إلَّا العدوات والبغضاء والغلو وما دون ذلك لا نكاد نراه.
وكتاب نهج البلاغة للإمَام علي عَلَيْهِ السَّـلَامُ تحفة بلاغية، وآية كبرى في اللغة التي تعيد ترتيب النسق العام والطبيعي وتضبطه وفق محدّدات أخلاقية وثقافية، والكتاب عبارة عن مجموعة من الخطب والرسائل والتفاسير والأقوال جمعها الشريف الرضي في القرن الرابع الهجري، وقد نال الكتاب ما ناله من القدح والتشكيك وبدل إفراغ الطاقات في قضايا جوهرية رأينا بعض المذاهب والفرق كيف يهدرونها في وضع الحجج والمثالب على الكتاب ولم نجد أحدا منهم يرى في اللغة والبلاغة التي عليها الكتاب طاقة إيجابية قادرة على احداث الانتقال في حياة المسلمين فكل نهضة للأمم ترتبط باللغة في مستوياتها المتعددة وفي نهج البلاغة طاقة كبرى قادرة على إنعاش أُمَّـة الإسلام من سباتها حتى تصنع مجدا مؤثلا كما فعل الاسلاف فضلا عن قصب السبق في كيفية إدارة الدولة، وسياسة الحكومة، ومراعاة حقوق الشعب، وفيه نظريات إسلامية في الحاكم والحكومة، ومناهج في الاقتصاد والاجتماع والسياسة والحرب والإدارة والأُمور التعبدية والقضائية وقد تركنا كُـلّ ذلك مما فيه فائدة للبشرية ونفع عام وصوبنا سهام النقد والتجريح للكتاب وشغلنا أنفسنا في أمر نحن في غنى عنه، وغفلنا عن الأهم الذي جاء من يكتشفه من الأمم الأُخرى ونحن نهدر كُـلّ طاقاتنا وإمْكَاناتنا في توسيع دائرة الاختلاف وفي سفاسف الأمور.
يبقى لنا التذكير بالقول أن الغدير حركة تجديد وانتقال وبعث وليس مظهر شكلي ولا بُـدَّ لنا من التفكير العميق في صوغ نظم تكون تعبيرا عصريا عن الإسلام وعوامل نهضة، ففي الولاء للإمام إحياء، وفي بلاغة الإمام ولغته عواملُ نهضة فلا تني العزائم عن بلوغ الغايات والمقاصد في البعث والتجديد والانتقال والتفاعل مع العصر.
في الإثنين 02 أغسطس-آب 2021 10:45:41 م