|
جاء الإسلام منتصرا لإنسانية الإنسان، فقد سعى إلى تحريره من رق العبودية ومن رق الحاجة، وشرع لذلك الشرائع، وسن السنن، وكرم الإنسان التكريم اللائق بجوهر إنسانيته، وحين تعددت الاتجاهات، واسترق الإنسان التحيز الفكري والمذهبي، غاب الإنسان عن جل الأهداف التي سعى الإسلام للوصول إليها، فلم يعد الإنسان محور القضية والمشروع وجوهرهما في كل التجاذبات التاريخية في حركة المد والجزر الإسلامي، بل تحول الإنسان إلى وقود وحطب للأمجاد السياسية في حقب التاريخ المختلفة، إلى أن انفجرت مظاهر الثورة الصناعية الحديثة، واشتغل الفكر الإنساني على موضوع الإنسان، وفكرة الحق والخير والمساواة، وفكرة العدالة الاجتماعية، وتفجرت الثورات الكبرى التي تنتصر للإنسان وحقه في العدل والخير والمساواة والعيش الكريم، وتوالت اشتغالات الفكر الإنساني إلى زمن توقيع العهود والمواثيق لحقوق الإنسان منتصف القرن الماضي، ثم توالت المراحل حتى أصبح يقال الإنسان محور التنمية الاقتصادية وجوهرها، وأصبح يشارك في المناشط العامة والخاصة، وتسعى الطبقات التي تنتقص من قيمته وكرامته إلى استرضائه في جهودها وأهدافها وغاياتها.
احتاج الإنسان إلى قرون من الزمن حتى وصل إلى الغاية المشار إليها في السياق، لكن الدين الإسلامي قال بتلك الغايات والأهداف في زمن مبكر من حياة البشرية، لكن السياسة وعوامل الانحراف في المشروع الإسلامي في المسار التاريخي عطل الغايات الكبرى والأهداف النبيلة، حتى ذهبت إلى الغرب ثم عادت إلى المسلمين في ثوب لا يحمل الهوية العربية لكنه حمل الهوية الإنسانية، واشتغل الغرب على الموضوع ووضع التشريعات اللازمة ويما يتسق مع النبل والفضيلة التي كان الأساس والمرجع لها في مبادئ وقيم الإسلام الكبرى، وفي تشريعاته وغاياته وأهدافه، لكن انصراف الاهتمام العربي والإسلامي إلى الصغائر جعل العرب والمسلمين في مقام الصغار الذين يتعلمون القيم والمبادئ الإنسانية من الغرب، أو تفرض عليهم منه بدل الاعتزاز بها وبأصالتها في فكرهم وفي تشريعهم وبدل تصديرها كقيم أصيلة في فكرهم وفي عقائدهم أصبحوا يتلقونها مجبرين وصاغرين من الغرب الذي يقولون بكفره.
اليوم ثورة 21سبتمبر في اليمن تعيد الأشياء إلى مسارها الصحيح من خلال إعادة ترتيب وضع الزكاة بعد أن انحرف مسارها في القرون الماضية من عمر الدولة الإسلامية، وها هي هيئة الزكاة تشق الطريق الصحيح في ترتيب النسق الاجتماعي وبما يحفظ خاصية الكرامة الإنسانية وفق فكرنا وعقائدنا الإسلامية، وبما يعزز من الخير والعدل والمساواة في ظاهرة لا أرى لها مماثلا عند العرب والمسلمين وإن كنا نرى مشاريع عند الإنسان الذي نختلف معه في العقيدة ونكاد نتفق معه في الكثير من الأفكار التي تمس جوهر كرامة الإنسان، وقد أخذ تلك المسارات من فكرنا ومن مبادئنا التي جاء بها الإسلام فتركنا وأهملنا، وهو اشتغل وتفوق في كل المجالات الثقافية والأخلاقية والسياسية والاجتماعية والأخلاقية، اليوم الكثير يضرب بالنظم الغربية المثال، وحين نعود لعصر النهضة الأوروبية نجد أنهم استفادوا كل الاستفادة من ثقافة المسلمين ومن حضارتهم، فقد فهموا واشتغلوا وأضافوا، ونحن ملنا إلى الدعة والاستسلام، حتى أصبحت تصدر إلينا الثقافات والأخلاقيات من الغرب، أو نجبر عليها، دون استشعار أنها أصيلة في فكرنا وعقائدنا وثقافتنا، وأعني الجوانب التي تمس حياة الإنسان وحريته وحقه في العيش وفي الحياة.
لقد بدأت هيئة الزكاة تخطو الخطوات الجبارة بثقة المعتز بأصالة الفكرة فأبدعت في الهدف وفي الغاية وابتكرت البرامج وبما يتسق مع روح العصر فتعددت برامجها التي تجعل من الإنسان محورها وجوهرها، فالمسكين وجد غايته، والفقير شعر بكرامته، والغارم حفظت كرامته وساهمت في رفع جور الزمان عن كاهله، ويكاد المجتمع أن يتحول تحولا عميقا يتسق مع غايات الله من التشريع السماوي في الحق والخير والعدل والمساواة، هذا فضلا عن المشاريع التنموية الصغيرة التي تحول الفرد والمجتمع من مستهلك إلى منتج وتحول اليد السفلى التي تتلقى المعونات والمساعدات إلى يد عليا تساهم في العطاء والتنمية وفي الخير.
موضوع الاتساق مع التشريع السماوي يحفظ للمجتمع توازنه ويحقق مقاصد الله في الأرض، ويعيد ترتيب الكون النفسي والثقافي للأفراد والجماعات، وبحيث يتحول المجتمع إلى كتلة متناغمة ومتعاضدة في تواشج بديع يبعد كل البعد عن فكرة صراع الطبقات التي يتحدث عنها الفكر الاقتصادي المعاصر، ولعلنا باشتغالنا على فكرة التشريع السماوي بطرق وأساليب حديثة قد نساهم في استقرار المجتمع ونحدث تطورا ونهضة غير معهودة في المسار التاريخي، لكن كل فكر يحتاج إلى المزيد من البحث والتحليل والتنظير والمقارنة والانفتاح على الأفق الإنساني، إذ ثمة مصارف من مصارف الزكاة اتسعت مجالاتها ولا بد من تفعيل دور العقل للوصول لغايات التشريع منها.
في الجمعة 03 مارس - آذار 2023 07:52:35 م