دراسة تشخيصية للوضع الداخلي «الأسباب والمآلات»
خالد العراسي
خالد العراسي
مِن أنصاري مغلوب إلى قائد الثورة «علم الهدى» ومن معه من المخلصين
 
السيد قائد الثورة حفظكم الله تعالى.
تحية جهادية وبعد:
يؤسفني إبلاغكم بأن الوضع المزري الذي تحدثتم عنه قبل فترة أصبح في حالة تنامي وتعاظم وتزايد بدلا من أن يكون العكس، وقد وصلنا مرحلة الخطر وباتت الإشارة حمراء ولم يعد هناك متسع لمزيد من تأخير التصحيح والضرب بيد من حديد.
ولا شك أن الشريك مارس دورا سلبيا، حيث لعب على معادلة الدخول في المكسب والخروج من الخسارة وأكل الثوم بفم الأنصار؛ إلا أن ذلك لم ولن يفاجئنا، لأنه ليس بجديد، فهذا هو المبدأ الذي عهدناهم عليه منذ أكثر من أربعة عقود.
إلا أن المسؤولية تقع على عاتقكم، فالشعب الذي لطالما تجرع المر جراء فساد وخيانة النظام السابق بشقيه العفاشي والإخواني واللاحق الدنبوعي لم يعول أو يأمل في تجربة المجرب، وما كان أمله بعد الله عز وجل إلا في الأنصار، لاسيما وأنهم حملوا على عاتقهم مواجهة أقبح وأبشع عدوان كوني شهدته البشرية، وقدموا الغالي والنفيس لنيل حرية اليمن واستقلاله وإلغاء التبعية، ولم يرفعوا راية عنصرية فئوية أو طائفية أو مذهبية، وحجتهم كانت القرآن الكريم بكل ما فيه من قيم ومبادئ رأيناها ولمسناها متجسدة في أخلاقيات وسلوكيات وتصرفات عظماء المشروع، فذهب السواد الأعظم نحو تأييد المسيرة بصورة تلقائية، بغض النظر عمن ركبوا الموجة لمصالح شخصية؛ لكنني هنا أتحدث عن الأغلبية الذين قادتهم مشاعرهم النقية وصحوة الضمير وتصحيح المفاهيم والثقافات المغلوطة إلى عشق المسيرة والولاء لكم كقائد ووالٍ نواليه ونعادي من عاداه.
وعلى هذا الأساس كان المسار والتوجه الشعبي. ورغم بعض الأخطاء والانحرافات الطفيفة، إلا أن ذلك كان واردا وطبيعيا، وأحيانا يكون الخطأ بنظر البعض هو الصواب بعينه، والعكس صحيح، بمعنى أن هناك أيضا سوء تقييم وسوء تقدير، وكنا نأمل ونحلم بمزيد من التصويب؛ لكن بعض الأمور سارت في اتجاه معاكس.
ولا شك أن المسيرة تزخر بأنقى وأخلص وأوفى الرجال؛ إلا أن كثيرا منهم لا شأن لهم بصناعة القرار في الجانب المؤسسي والإداري الحكومي، نظرا لانشغالهم التام في مواجهة العدوان، عسكريا وأمنيا، والجوانب الجهادية بشكل عام، لذلك حققت هذه الجوانب انتصارات نوعية لم يسبق أن حدثت في أي زمان ومكان، كون القائمين عليها هم أخلص مخلصي المسيرة.
وللإنصاف وجب التنويه بالجوانب المشرقة الكثيرة والنجاحات الموجودة في عدة جوانب، ووضعنا أفضل من وضع المناطق المسماة بـ"المحررة" ألف مرة، بل إنه لا وجه للمقارنة إطلاقا، رغم كل ما يمارسه العدوان ضدنا، فمثلا لا حصرا لدينا بنك مركزي محارب دوليا، ومع ذلك حقق ما لم يحققه البنك المركزي المعترف به والمدعوم دوليا، وهذه المفارقة مدعاة فخر واعتزاز، وستكون الإنجازات أعظم إن تمت معالجة الاختلالات المصرفية وتدوير وغربلة موظفي البنك وفق تفعيل مبدأ الثواب والعقاب وبما يمكن الكفاءات، وأعتقد أن البنك في إطار تنفيذ هذه الخطوات.
إلا أن هناك انحرافا كبيرا حدث ومازال يحدث، وهو انحراف خطير جدا لسببين: الأول: أن مَن تسبب به هم من كبار النافذين وغالبا لا يوجد نافذون بإمكانهم التزكية في تعيين هذا وإقالة ذاك إلا من قدامى الملتحقين بالمسيرة، وذلك يشير إلى أن التحاقهم كان اختراقاً منذ الوهلة الأولى أو أنهم انحرفوا عن المسار لاحقا بعد أن استسلموا لملذات وشهوات الدنيا وحياة الرفاهية في قصور المرتزقة وما إلى ذلك من متاع الغرور.
والسبب الثاني هو: أن هذا الانحراف ليس ناتجا عن مجرد أخطاء أو هفوات أو حتى غباء، وإنما عمل منظم ومدروس وممنهج، والهدف هو تشويه المسيرة وضرب الحاضنة الشعبية للأنصار وإفشال المرحلة إلى أن يصل الشعب إلى قناعة كاملة بأن الأنصار رجال حرب بامتياز وبلا منازع إلا أنهم لا يصلحون للحكم والسلطة والإدارة.
كل ذلك لخدمة العدوان المهزوم عسكريا، والذي يسعى لتحقيق انتصار من نوع آخر، من خلال أياديه في الداخل، إلى جانب ما ينتهجه من حرب اقتصادية وسياسة تجويع وحصار خانق وحرب ناعمة، وكل ما يؤدي إلى خنق المجتمع اليمني وتفسخه أخلاقيا وكل ما يثير السخط للوصول إلى الانفجار الشعبي وإحراق شعبية الأنصار بشكل كلي.
وهنا وجب ذكر أمثلة من الواقع تعزز ما ذُكر، حتى لا يكون الحديث مجرد لغو أو كلام عام بعيدا عن الواقع. وللتأكيد فإن المراد هو التصحيح لا التشويه؛ لأن تحديد مواضع الخلل أكبر خدمة يمكن أن تقدم للمسيرة، فالتشخيص أهم خطوات التداوي.
وبالتأكيد لا يمكن سرد كل الوقائع التي أدت للوصول إلى هذه النتيجة؛ نظرا لكثرتها، والمجال لا يتسع هنا إلا لذكر بعض المحددات أو المحاور العامة وأمثلة لكل محور.
ومنها: أولا: تعمد عدم تنفيذ توجيهاتكم:
وهنا يجدر الإشارة إلى ألا أحد يجرؤ على رفض توجيهاتكم بشكل مباشر، فالكل يعلم أن إشارة واحدة من السيد القائد تجعل المجاهدين يجتثون كل من يحاول التمرد، وحتى دون تدخل المجاهدين لا يستطيع أحد أن يرفض التنفيذ بشكل مباشر.
فالرفض يتم من خلال التدليس والتسويف والمماطلة والتحايل أو التنفيذ الشكلي والصوري، مستغلين انشغالكم بمواجهة العدوان، فمثلا كنتم قد وضعتم اثنتي عشرة نقطة كانت بمثابة خارطة طريق للمرحلة، فكم نقطة من هذه النقاط نفذوا؟! وما العوائق أمام التنفيذ؟!
ســــيدي قــائــــد الثــــورة
كم مرة تحدثتم عن تصحيح القضاء وتفعيل الأجهزة الرقابية والاهتمام بملف الاكتفاء الذاتي الزراعي والجمعيات التعاونية والاستفادة من مياه الأمطار... وكثير من الموجهات التي لو تم تنفيذها لكان حالنا أفضل من الآن بكثير، ونحن بحاجتها أكثر في ظل العدوان والحرب الاقتصادية والحصار؛ لأن الموجهات التي وضعتموها هي الأسس التي ستمكننا من مواجهة كل التحديات وتجاوز الصعاب، بمعنى أنها أسلحة وعدة مطلوبة في زمن العدوان أكثر من زمن السلم.
كما أن أضرار عدم تنفيذ توجيهاتكم لا تقتصر على عدم حل الإشكاليات وعدم المضي قدما نحو الأفضل، واستمرار التدهور فقط، بل إنها تزعزع ثقة المواطنين بالقائد أيضا، وهذا ما يسعى إليه العدو، بل إن هناك من يروج لأفكار هدامة وأن فلاناً من كبار المسؤولين لو أن السيد القائد غير راض عنه لتمت إزاحته، وذلك ليس لتبرئة المسؤول الذي لا يختلف اثنان على قبحه، وإنما ليقال بأن ذلك برضاكم واختياركم.
بينما الحقيقة هي أنكم كرستم كل جهدكم ووقتكم للإشراف على الجانب الجهادي والعسكري، وعهدتم بالجانب المؤسسي للمسؤولين عنه، بل ودعوتم أكثر من مرة لتفعيل مؤسسات الدولة، ودعوتم أيضا لتصحيح وضع مؤسسات الدولة وتنظيفها، فخرجوا بالمكانس والكاميرات وكأنَّ المقصود هو إزالة الأتربة والأوساخ فقط، فكررتم القول بتوضيح أكثر بأن غربلوا مؤسسات الدولة بإزاحة كل من يعيق التصحيح، ففصلوا المرتزقة من وظائفهم بالداخل أو جمدوا درجاتهم الوظيفية، واستمرت الحكومة بكل طاقمها واستمر رؤساء المؤسسات والهيئات والمدراء التنفيذيون للصناديق كما هم، وكأن مسؤولو حكومتنا تميزوا وأبدعوا ليستحقوا البقاء طوال هذه الأعوام!
ثانياً: الفشل المتعمد في محاربة الفساد:
في هذا الجانب سأتحدث عن تجربة شخصية مررتُ بها، وهذا ليس من باب الحديث عن الذات والنفس، وإنما لضمان مصداقية السرد، فالمنقول ليس كصاحب التجربة الشخصية.
والقصة هي أنني كنت ممن أوصلوا للجهات الرقابية بلاغات ووثائق وأدلة عن فساد بمليارات الريالات في عدة جهات، وأول ما عانيته هو بطء الاستجابة والتحرك بشكل كبير جداً جداً، ولكم أن تتخيلوا أن أربعة أشهر كانت هي الفترة التي وصل فيها ملف بلاغي من قيادة هيئة مكافحة الفساد إلى القاضي المختص المعني بالتحقيق، وبعدها مر عام ونصف، والناتج إلى يومنا هذا "محلك سر"، رغم ثبوت وقائع الفساد الجسيمة، بل إنني تحولت من مُبلِّغ عن وقائع فساد مالي جسيم إلى مُبلَّغ عنه ومتهم. ولأن درجتي الوظيفية مدير عام وليس وكيلا أو وزيرا فقد تركوا توجيهاتكم بخلس ظهر أي فاسد كائناً من كان ونفذوا القانون العفاشي الذي يجيز خلس ظهر المستضعف من درجة مدير عام وما تحت! والمصيبة هي أن الهيئة استجابت بسرعة فائقة لبلاغات الفاسد التي لم تكن أكثر من رد فعل، وحققوا فيها رغم سذاجتها وتفاهتها، ورغم أنها لا تندرج ضمن مهام الهيئة، أي رغم "عدم الاختصاص الموضوعي"، وعندما اكتملت التحقيقات معي وثبتت براءتي استمر ملف "هامور الفساد" محله دون تحرك؛ لأن الفاسد مسنود بظهور حامية له، وارتباطهم معه ليس مجرد ارتباط لحظي يزول بإزالته من منصبه، وإنما ارتباطات تجارية ومصالح دائمة، ولدي أسماء كثير من الشركات والمؤسسات والمكاتب التجارية وتفاصيل العلاقات التجارية لمافيا وهوامير الفساد.
أما عن الجهاز المركزي فكانت الطامة أكبر، حيث إنه إضافة إلى البطء الشديد في الإجراءات، لديه أنواع أخرى من التهاون، وربما يعود السبب إلى أن رئيس الجهاز تم تعيينه بالمخالفة للقانون، الذي لا يجيز تعيين رئيس للجهاز من خارج كوادر الجهاز، وسبق أن تم رفض معاذ بجاش عندما عينه الدنبوع رئيسا للجهاز، لأن التعيين كان مخالفا للقانون في هذه النقطة، ولا يخلو الجهاز من الكوادر النزيهة والشريفة، بل إننا نجد أغلبهم اليوم مقصيين عن أعمالهم وفي منازلهم، بل إن قصة استبعاد أحد أبرز الكفاءات كانت مخزية جدا، وهو القاضي المجاهد عبدالرحمن المحبشي.
وبالعودة إلى موضوعنا فبعد أن استمر فريق الجهاز المركزي بالفحص والتدقيق في أحد بلاغاتي لمدة عام ونصف، ثم صدر تقرير مرعب بفساد وضرر مالي بمليارات، رغم أن فريق الفحص لم يكن مكلفا بفحص كل فترة ذلك الفاسد الذي صدر بحقه التقرير، بل نصف فترة ترؤسه للهيئة فقط، بمعنى أنه لو تم فحص كل الفترة لتضاعف المبلغ، وأيضا هناك جوانب عديدة لم يفحصها الفريق، نظرا لكثرة وتعدد أشكال فساد تلك الجهة، بسبب رئيسها الذي حمّله الجهاز المسؤولية الكاملة عن كل ما حدث وأوصى بإقالته ومحاكمته واستعادة الأموال التي نهبها، لاسيما وأن أشكال فساده قبيحة جداً، ومنها مثلا: سرقة أموال باسم دعم الجبهات ودعم المجاهدين وسرقة ديات متوفين في حوادث سير... وغيرها من أشكال الفساد القبيحة التي لا يمكن لشخص مؤمن وسوي أن يسكت عليها.
المهم أنه بعد كل هذا الجهد، بل والمخاطرة بكشف هذا الفاسد توقف الجهاز المركزي عن العمل في هذا الموضوع، ولم يحيلوا التقرير إلى نيابة الأموال العامة كما يفترض.
وفجأة وبعد أن ضمن الفاسدون عدم استكمال الجهاز للخطوة الأخيرة تحولت السواطير نحوي بدلا من أن تتوجه نحو الفاسد لخلس جلده، وهذه بادرة خطيرة جدا، رغم أنها كانت معتادة إبان النظام السابق، إلا أننا لم نكن نتوقع أبدا أن تظهر وتنتعش مجددا في عهد القائد النوراني علم الهدى ومسيرة القرآن.
أتوقع أن يرد الجهاز المركزي على هذه الجزئية بأن العمل سارٍ كما سبق وأنهم ردوا عليَّ عدة مرات، لكن بالله عليكم أي عمل هذا يستدعي التأخير أكثر من سبعة أشهر بعد صدور التقرير، وهو فقط إحالة إلى النيابة؟! حتى لو كان من يقوم بالتكييف القانوني سلاحف فلا يبرر ذلك كل هذا التأخير، وهو تأخير مكلف جدا للوطن ويستنزف خزينة الدولة ويصيب الشرفاء بالإحباط.
ســــيدي قــائــــد الثــــورة
الكارثة الأكبر هي أنه رغم وجود ما تسمى "الوحدة التنسيقية للأجهزة الرقابية"، إلا أن التنسيق بين الجهات الرقابية منعدم تماماً، ولكم أن تتخيلوا أن أحد كبار المسؤولين في الهيئة العليا لمكافحة الفساد طلب مني أن أُحضر له بعض الوثائق من الجهاز المركزي ليستكملوا إجراءات التحقيق في وقائع فساد أبلغتُ بها الهيئة؛ إلا أن الجهاز المركزي رفض ذلك، رغم أن الطلب تم بعد ذلك بشكل رسمي وبحسب إفادة رئيس الجهاز، الذي قال لي حرفياً: "لقد رفضنا موافاة الهيئة وجهات أخرى بأي وثائق". ولم أتمكن من تفسير هذه النقطة، فهل يعقل أن احتكار التقارير وتبني منطق "هذا عملي ولن أعطيه لأحد" هو السبب؛ في حين يفترض التعاون والتكاتف بين محاربي الفساد كما يتكاتف ويتعاون الفاسدون بعضهم مع بعض هم وحماتهم؟!
وكمثال آخر: تلقيت اتصالا من أحد ضباط جهاز الأمن والمخابرات يستفسرني عن بعض النقاط في مصفوفة كنت قد رفعتها لهم من شأنها حل الإشكاليات في جهة إيرادية كبيرة وتحديث هذه الجهة وتطويرها، فقلت له: ما فائدة مناقشة المصفوفة إن كان الرأس خارباً؟! بمعنى أن رئيس هذه الجهة فاسد والفشل متعمد؛ لأن التصحيح سيوقف فساده وهو المعني بتنفيذ المصفوفة، وسبق أن قبل بالحلول بشكل صوري وعرقلها بشكل عملي كما يفعل تحالف العدوان معنا في المفاوضات (قبول شكلي ورفض عملي).
يُذكر أن اتصال ضابط جهاز الأمن والمخابرات وصلني بعد عامين من تقديم المصفوفة، يعني استجابة متأخرة جدا. والذي صعقني هو أنه طلب مني نسخة من تقرير الجهاز المركزي وكان ردي سريع وتلقائي، وهو: "يمكنكم طلب نسخة من الجهاز المركزي نفسه، لا مني".
أما الطامة الكبرى فهي أن تجاوز كل هذه الصعوبات لا يعني الوصول إلى النتيجة المرضية، ففي النهاية تذهب كل التقارير أدراج الرياح.
وللنيابة والقضاء دهاليز أخرى، مآلاتها لا تقل ألماً عن دهاليز المنظومة الرقابية، مع العلم أن هناك ممن أحيلوا إلى نيابة الأموال العامة وتمت إقالتهم من أعمالهم ليتم تعيينهم في مناصب أكبر من السابقة قبل تبرئتهم، وهناك الكثير ممن لم تتحرك قضاياهم في القضاء منذ أعوام، وهناك أيضا من يتحجج بـ"القانون العفاشي" بأنه يعيق محاربة الفساد، وهذا صحيح؛ لكن القيادة والدولة تستطيع تجاوز هذه الإعاقة بسهولة، بمجرد إقالة الفاسدين، وقد حدث ذلك مع بعض المسؤولين؛ لكن الإقالة لم تتم بسبب فسادهم، وإنما باعتبارهم غير خاضعين وخانعين لكبار النافذين، وفي أحسن الأحوال يتم إزاحة الفاسد بدون محاسبة، وحتى ذلك يعتبر من الحالات النادرة جدا.
وتجربتي الشخصية هي مثال واحد لواقع يضاعف حقيقة الوضع المزري.
لكن لا يعني ذلك تأجيل معركة التصحيح إلى أن يتم التخلص من كل الإشكاليات المذكورة؛ بالعكس تماما، يجب أن يتم الإسراع في تغيير الفاسدين فوراً؛ لأن بقاءهم في كل يوم إضافي يجرع خزينة الدولة مبالغ طائلة؛ لأنهم تشجعوا بعد غياب الرادع والوازع وبات لهفهم بالمليارات وليس من ألف إلى عشرة آلاف ريال، كما تحدث فخامة رئيس المجلس السياسي الأعلى، وهذا يعني أن فخامته تصل إليه معلومات مغلوطة، وأنا على استعداد كامل لإثبات فساد بمليارات تم بأقبح الطرق.
ثالثاً: الفشل المتعمد في تدارك وسرعة حل أكبر الإشكاليات رغم سهولة حلها:
تعد شركات الاستثمارات الوهمية والحوالات المنسية أبرز الأمثلة هنا.
وكما تعلمون أن أي إشكاليات تتفاقم عند تجاهلها وإغفال حلها، والمشكلة التي كانت ستحل في ساعات باتت تحتاج إلى أيام وتكاليف وجهود مضاعفة عما كان سيتم لو تداركناها فورا، ويزداد العناء بسبب هذا التجاهل والإهمال. وهذا كما أشرتم في إحدى محاضراتكم إلى أنه كما يحدث في أي عطل يصيب السيارة عند تجاهله وإهماله يزداد ونصبح بحاجة إلى إصلاح وتبديل مزيد من القطع، بينما نحن يجب أن نكون قد وصلنا مرحلة التحديث والتطوير في إطار الممكن والمتاح، وتجاوزنا آفة التأخير في حل أهم الإشكاليات (إن كنا قد أحسنا اختيار مسؤولينا)؛ إلا أن ما يحدث هو أن العجلة تدور إلى الوراء في كثير من الجوانب، ومثل هكذا مسؤولين لا حاجة لنا بهم، فضررهم أكبر من نفعهم، وعلى رأسهم من نجدهم مهتمين كثيرا بالامتيازات المالية والعينية المترتبة على المنصب، طبعا هذا في حال كانوا مسؤولين شرفاء لا ينهبون ولا يسرقون؛ لأن فئة النهابين مشكلتهم أعظم، إلا أن الفاشلين أيضاً يتسببون بضرر بالغ.
أما الكارثة الأكبر فهي تعمد الفشل، حتى لا يُقال بأن الأنصار حلوا مشاكل كبيرة كانت عالقة وكانت ستتسبب بكوارث مجتمعية. وبالتأكيد أن النوايا علمها عند الله عز وجل؛ لكن هناك إجراءات لو تم تتبعها لدلت أن نية حدوث الكارثة مبيتة.
فمثلا المسؤولون الذين تسببوا باستمرار شركة "تهامة فلافور" في العمل وجمع مساهمين، رغم أنها إحدى شركات الاستثمارات الوهمية، مثلها مثل الشركات الأخرى التي تم إيقافها ومحاكمة أصحابها، مع بعض التنميق للتدليس باستثمارات لا تساوي حتى 30% من رأس المال والمساهمات. هؤلاء الداعمون والحماة لا يمكن أن نقول عنهم إنهم فاشلون فقط؛ لأنهم تسببوا بالكارثة بالدعم والإسناد الذي تلقته الشركة منهم، أي أنهم مساهمون كعناصر أساسية في الجريمة التي ذهب ضحيتها مئات الآلاف من الناس ومساهمات يُقال إنها تصل إلى مائة وخمسين مليار ريال.
ســــيدي قــائــــد الثــــورة
إن كارثة استمرار شركة "تهامة فلافور" ما كانت لتحدث لو أن اليقظة والكفاءة كانت حاضرة، وما كانت لتحدث لولا دعم نافذين ومسؤولين في الدولة رغم معرفتهم بالكارثة التي ستحدث، وسبق أن حدثت بسبب شركات أخرى والتجربة حديثة، ولربما كان الداعمون هم الملاك الحقيقيين، بينما الأسماء الظاهرة مجرد واجهة، وأعتقد أنهم كانوا يعولون في عدم فضحهم وانكشافهم على تهريب الجناة الظاهرين، مع العلم أن موضوع الشركات الوهمية له علاقة بالعدوان من ناحية الحرب الاقتصادية وسياسة التجويع وإثارة المشاكل الداخلية واستنزاف العملة المحلية، حيث كانت المساهمات تسلم بالريال والأرباح تسلم بالعملة السعودية، وهناك عملية إتلاف للعملة المحلية كانت تتم إلى جانب أن هناك مبالغ كان يستلمها مسؤولون مقابل الحماية وما إلى ذلك، ولهذا هناك فجوة كبيرة بين رأس المال والمبالغ المحرزة حتى بعد احتساب الأرباح المسلمة والممتلكات الاستثمارية والعقارات والأصول، وعندما تحدث مشكلة كبيرة في ضياع أموال مئات الآلاف من الأسر فهذا يخلق حالة استياء عام وسخط شعبي، لاسيما لدى الناس الذين طرحوا كل ما يملكون في هذه المساهمات وهذا تسبب بإيقاف مصادر دخلهم وباتوا يتخبطون لا يعلمون إلى أين ولمن يلجؤون، وقصص الضحايا مؤلمة جدا، والمشكلة أن القضاء لم يبت في الموضوع منذ أكثر من عامين ويعيد ما يمكن إعادته للمساهمين من الأموال التي تمكنت الدولة من احتجازها والعقارات والأصول التابعة لهذه الشركات.
وكمثال آخر أيضاً تأثيره واسع النطاق هو الفشل في حل مشكلة الكهرباء، وبالذات كهرباء الحديدة وضواحيها وعبس والمناطق الحارة جدا، حيث تم توصيل الكهرباء دون عمل حلول للتسعيرة القاتلة لأبناء تلك المناطق، وفي كل صيف يموت الكثير من أبناء الساحل الغربي والحديدة وضواحيها بسبب موجة الحر الشديدة وعجز الأغلبية العظمى عن تشغيل حتى مروحة بشكل يومي.
هناك مشاكل يجب سرعة حلها وعدم التهاون بها، وكذلك إيقاف كل من يدعم استمرارها.
رابعاً: تعمد إهمال الرؤى والأطروحات الإيجابية والبناءة والقابلة للتنفيذ وفي المقابل التطبيق الفوري لأفكار ومقترحات هدامة:
وبهذا الشأن أدرك تماما أنه قد يتم رفع رؤى يرى صاحبها أنها صائبة بينما هي بعيدة عن الواقع وغير قابلة للتنفيذ وما صاحبها إلا تنظيري بعيد عن الواقع أو مغتر بنفسه؛ لكنني لا أقصد هذا النوع من الرؤى، فهناك رؤى صائبة وقابلة للتنفيذ ومجدية ومفيدة جدا للصالح العام ولخزينة الدولة وبما لا يضر المواطن ولا يحتاج إلى إقرار أو تعديل قانوني، ومنها رؤية مكونة من أربعة محاور قدمتها لكم شخصيا سيدي القائد ونالت استحسانكم ووصلني شكركم وتقديركم بعد اطلاعكم على الرؤى والبلاغات التي رفعتها إلى سيادتكم، وبالنسبة للرؤى فقد وجهتم بتنفيذها، إلا أن التنفيذ سيغلق الحنفي على بعض الجيوب التي كانت ولا تزال تعيق التنفيذ، لذلك لم تنفذ، وهذا مثال واحد من عشرات الأمثلة من الرؤى والمقترحات البناءة التي تقدم بها أشخاص لا همّ لهم سوى الوطن، مثل الرؤية التي أعدها المهندس الرائع أسامة الدمشي بشأن الاستثمار الصناعي والزراعي، ووجهتم بسرعة تنفيذها، وتم التنفيذ؛ ولكن بطريقة منحرفة عن المسار المعد والمدروس، مما أدى إلى فشل شركة المساهمة. وفي المقابل نرى تنفيذا فوريا لمقترحات قاتلة للمواطن، وهذا لا يمكن أن يكون صدفة وإنما ضمن البرنامج الممنهج والمدروس.
خامساً: تعمد تهميش الكفاءات ومحاربة المخلصين والمجاهدين وفي المقابل تمكين من لا يستحقون من أهم المناصب الحساسة:
وبهذا الشأن يؤسفني أن أقول لكم إن هناك عملية إفراغ لبعض الجهات الحكومية من الكوادر المؤهلة والكفاءات والخبرات، رغم إخلاصهم ووطنيتهم ونزاهتهم، وإحلال أشخاص "لا يعرفون كوعهم من بوعهم" محلهم، بل والأغرب من ذلك أننا عندما نجد مسؤولا يتمسك بالكفاءات ويسعى لاستبدال الفاسدين والفاشلين يجد من يعيق طريقه، كما حدث مع أحد الوزراء عندما توجه إلى فخامة رئيس المجلس السياسي الأعلى بترشيح لتعيين أحد الكفاءات التي سبق أن جرب عمله في واقع ميداني مؤسسي بدلا من أحد الفاشلين يرأس إحدى الهيئات الهامة وحصل على توجيه باستكمال الإجراءات وإصدار القرار، إلا أن القرار لم يصدر، لأن هناك من يعيق التصحيح بحجج واهية، فالفاشلون أو الفاسدون هناك من يحميهم ويمنع تغييرهم، ولو قلنا إن التمسك بالفاسدين وحمايتهم سببه المصالح الشخصية، فماذا يمكن أن يكون مبرر التمسك بالفاشلين وحمايتهم غير خدمة العدوان؟!
سادساً: تعمد مفاقمة المظالم وغياب الإنصاف:
وسأكون في قمة الوضوح والشفافية والجرأة بهذه الجزئية بالذات، لأنها لا تحتمل الإشارة والتلويح، فالمظالم هي التي أسقطت أعتى وأقوى حكومات العالم، والعدل أساس قيام الدول، وكنتم قد أوليتم موضوع الإنصاف ورفع الظلم اهتماما بالغا في كثير من المحاضرات، حتى أن هذا الموضوع بالذات أخذ منكم ثلاث محاضرات رمضانية متتالية، لأنكم تعلمون جيدا أن الظلم عواقبه وخيمة، ومع ذلك نجد المسار عكسياً.
ولكم فيما يمارسه كبار الظالمين بأريحية كاملة واقع مشهود، فمثلا لا حصرا، مظلومية وفاة الشاب أحمد حسين اللساني بجلطة بشكل مفاجئ بسبب القهر والغُلب الذي نال منه كثيرا بعد أن قام هاشم الشامي (رئيس هيئة الأراضي والمساحة والتخطيط العمراني ومدير عام مؤسسة الكهرباء) برفع الحذاء في وجهه وقذفه وشتمه بألفاظ بذيئة ونابية أثناء عمله وبدون إشعاره بالخطأ الذي ارتكبه، إضافة إلى ما قام به مرافقو هاشم الشامي بحق اللساني الذي نال فضل الله عز وجل وقام برفع شكواه إلى الخالق بعد أن تم تجاهل شكواه المرفوعة إلى مكتب رئاسة الجمهورية؛ وذلك لأن الظالم مسؤول كبير ويمسك أهم وأكبر مؤسستين في الدولة (الأراضي والكهرباء)، بل إن الشامي قام بفصل اللساني من عمله فصلاً نهائياً بعد أن أوقف كل مستحقاته وكرر التوجيه بفصله مرتين.
ســــيدي قــائــــد الثــــورة
موضوع اللساني سبق أن تكرر كثيرا مع آخرين بواسطة الشخص نفسه (هاشم الشامي)، فقد فعلها مرتين في مصلحة الضرائب، وفعلها أثناء زياراته لمكاتب مؤسسة الكهرباء في محافظة تعز، بل إنه انتزع الرتبة العسكرية من على كتف الضابط الذي أهانه الشامي وتهجم عليه، وفعلها مع موظفي هيئة الأراضي ورفعوا شكوى جماعية بذلك ودونوا في الشكوى أنه قال لهم: "يا أولاد الحرام، يا سرق، سأدوس عليكم بالجزمة"، فتلك العنجهية وقلة الأدب معهودة من هذا الشخص، وإذا كنا قد تخلصنا من عنجهية وظلم وغجرية وسوء أخلاق عتاولة الزمن البائد من آل عفاش والأحمر وغيرهم بفضل الله عز وجل ثم بفضل المسيرة القرآنية، إلا أن لدينا اليوم طغاة الزمن غير البائد، ومسؤولي الدولة زمن كثر إعجابهم بهذا الطاغوت القبيح (هاشم الشامي) قاموا بتعيينه في أهم منصبين، حيث بات حاليا يترأس هيئة الأراضي ومؤسسة الكهرباء، علما بأنه فشل عمليا في كليهما، وما هاشم الشامي إلا نموذج لعدة طغاة وظلمة آخرين والسجون مليئة بالمظلومين.
ولأن اللساني ومحمد الشهاري المفصول من عمله في المجلس الأعلى لتنسيق الشؤون الإنسانية هو ورفاقه الخمسة دون وجه حق وعدم إنصافه رغم صدور حكم قضائي، ووفاة والده غلباً وقهراً على ما لاقاه ولده محمد، وإسماعيل الجرموزي المقصي من عمله كمدير عام للمراجعة الداخلية في وزارة الأوقاف، بل وسجنه ثلاثة أشهر في سجن انفرادي ظلماً والمُرقد بالبيت منذ أربعة أعوام إلى اليوم بسبب منشور نشره وكذا رفضه تمرير معاملة فيها فساد.
وأيضاً آلاف المظلومين، لم يلجؤوا للإعلام المرئي ولم تنتشر مظلوميتهم بشكل واسع لتصبح قضية رأي عام، لم يأبه إليها أحد كما فعلوا مع الملطوم من وزير الكهرباء، رغم أنه تلفظ على الوزير بألفاظ سيئة ونزول الوزير إلى المحطة كان لضبط المحطة بسبب المخالفة في عدم إلغاء الاشتراك الشهري وعدم تنفيذ قرارات وزارة الكهرباء، والموضوع كان كميناً مدروساً للإيقاع بوزير الكهرباء لصالح تجار الكهرباء ومآرب أخرى دنيئة أو مثل طفل البسطة حق صاحب الخضروات والفواكه.
فالمظلوميات غير الموثقة بفيديوهات وغير المنشورة إعلامياً بشكل واسع لا تلقى من يأبه لها، لأن الغاية والمراد هو إسكات القيل والقال والزوبعة على الظلمة، وليس الإنصاف والعدالة.
وننوه هنا بأنه بعد أن كانت لجان الإنصاف تقوم بدور ممتاز في كل المحافظات هناك من أوقف هذا النجاح وحوّله إلى فشل بمجرد إنشاء هيئة رفع المظالم التي أقترح أن تسمى هيئة أرشفة المظالم، نتيجة ضآلة الإنجاز مقابل ضخامة المسمى وأهمية الموضوع.
ويعزو البعض هذا الفشل إلى عدة أسباب، أهمها عدم اختيار مختصين وكفاءات اجتماعية في أغلب فروع الهيئة، كما أن الصلاحيات غير موجودة وغياب التنسيق بين الهيئة والجهات القضائية.
أما عن المنظومة العدلية فكان نجاحها محصورا في ثلاث نقاط، وهي: أولا: اعتماد أمناء لكل المناطق بحسب الشروط اللازمة، وثانيا: الشكاوى التي تم استقبالها في أغلب المحافظات بموجب لجان النزول الميداني لتلقي شكاوى المواطنين بحق مدراء أقسام الشرطة، وثالثا: قضايا الثأر التي حلت بفضل الله عز وجل.
إلا أن الموضوع توقف عند هذا الحد، بينما هناك خطوات تكميلية كان يجب أن تتم، وهي كثيرة، وأهمها تسهيل إجراءات تعميد البصائر، وتنفيذ السجل العيني، وحل مشاكل أراضي الجمعيات، واستكمال حصر أراضي الدولة وإسقاطها على الخارطة العقارية، وإنجاز مشاريع التخطيط الحضري (المستر بلان) في المحافظات، وإجراءات أخرى في إطار موضوع الأراضي، باعتبار 80% من المشاكل متعلقة بالأراضي والعقارات وبالنسبة للقضاء، فالإجراءات التصحيحية كثيرة، وحتما هناك مختصون وخبراء قدموا رؤاهم بهذا الشأن، وأرى أن تزمين البت في القضايا بحسب نوعها هو أهم تصحيح يمكن أن يتم، فتأخير القضايا هو الخلل الأكبر في القضاء، إضافة إلى غياب التقييم الحقيقي والتفتيش القضائي إلا فيما ندر.
سابعاً: التشويه عن طريق القرارات (الخاطئة منها والصائبة)
هناك أولا قرارات صائبة ممتازة، إلا أنها لا تنفذ، وهذا يفقد الشعب ثقته بالسلطة تماما، بل ويعكس نظرة سيئة جدا، ويجعلهم يقولون بأن لا فرق بين خداع وكذب ومكر السابقين والحاليين. ومن هذه القرارات قرار عدم رفع الإيجارات، ورغم أنه قرار مسنود بقانون أقره محلس النواب، إلا أنه لم ينفذ، وقرار إلغاء الاشتراك الشهري للكهرباء، وقرار صرف مبلغ ثلاثين ألف ريال للمعلم شهريا، وقرار عدم رفع الرسوم الدراسية في المدارس الخاصة... وقرارات أخرى كلها إيجابية؛ لكنها لا تنفذ.
وثانيا: قرارات كارثية يتخذها مسؤولون وقيادات محسوبون على الأنصار، وتنفذ، ثم بعد الضجيج يقال بأنه مجرد تصرف فردي. وقد كانت أمانة العاصمة في هذا الجانب مصنعاً لإنتاج العبوات الناسفة لحاضنة الأنصار الشعبية، من خلال هذه القرارات المتسرعة والخاطئة. والمصيبة أن متخذيها لا ينالون أي عقاب، مما شجع على تكرارها. والحلول المتخذة هي الإنكار أو رمي التهمة فوق شخص معين، مع أنه لا يمكن أن يتخذ أحدهم قرارا إلا بتوجيهات من مشرف أمانة العاصمة أو أمينها اللا أمين. هناك قرارات سلبية من نوع آخر، وهي التي يترتب عليها جبايات بفرض رسوم جديدة مستحدثة أو زيادة رسوم سابقة لا طاقة للمواطن بها، وأمثلتها كثيرة جدا، والمشكلة أنها في بعض الأحيان تنفذ بأثر رجعي، أي للفترة السابقة للقرار.
ســــيدي قــائــــد الثــــورة
تلك القرارات السلبية التي يترتب عليها جبايات بفرض رسوم جديدة مستحدثة أو زيادة رسوم سابقة لا طاقة للمواطن بها، وبعضها تنفذ بأثر رجعي، تعد خطأ قانونياً ومساراً لا إنسانياً، لاسيما في ظل انقطاع المرتبات وشحة وانعدام مصادر الدخل والحرب الاقتصادية البشعة وسياسة التجويع التي ينتهجها العدوان يتعرض لها الشعب منذ أكثر من ثمانية أعوام.
ثامناً: تعمد إهمال الإعلام الجهادي والمناهض للعدوان
الجانب الإعلامي من أهم وأبرز الأسلحة التي يستخدمها العدوان في عدة أطر، أبرزها تشويه المسيرة وتأجيج الوضع الداخلي وإثارة سخط الناس ضد الأنصار. وكان يجب مواجهته إعلاميا بما يدحض الافتراءات والشائعات ويوعي المجتمع وينشر الحقائق ويفضح جرائم ومجازر وانتهاكات العدوان، ويتغنى بانتصارات جيشنا واللجان على أوسع نطاق، بالدليل والحجة والمنطق، وذلك كان ساريا قبل أعوام، إلا أن هناك انحرافاً إعلامياً خطيراً حدث. وقد حدث هذا الانحراف تحديدا منذ اغتيال الشهيد صلاح العزي، الذي كان يجعل العدوان يئن وجعاً من أعماله الإعلامية، رغم أنه فرد، وإلى جانبه فريق عددهم قليل جدا وإمكانيات بسيطة، واليوم لدينا جيش إلكتروني تابع للهيئة الإعلامية، بل وجبهة إعلامية لمواجهة العدوان وإمكانيات ضخمة، والناتج صفر، بل وأحيانا النتائج عكسية وتخدم العدوان، وهناك مقاطع فيديو مأخوذة من الجبهات بدون "لوج" تم بيعها لقنوات العدوان، والكثير الكثير بهذا الجانب المؤلم والمحزن والذي كاد أن ينهار تماما لولا أهم وأكبر صحيفة محلية، والتي باتت على مستوى إقليمي وعالمي بواسطة موقعها الإلكتروني، وهي الصحيفة الجهادية "لا"، وبعض القنوات وعلى رأسها قناتا "المسيرة" و"الساحات" وبعض البرامج في بعض القنوات المحلية الأخرى، بوركت جهودهم ولله درهم، مع العلم بأن الصحيفة والقناتين محاربة ولا تتلقى المعلومات والأخبار بسهولة، بعكس تلقي قناة "الميادين" و"الجزيرة" وبعض قنوات العدوان تلك الأخبار.
تاسعاً: تعمد تدهور الخدمات الأساسية التي يتلقاها المواطن
صحيح أن العدوان هو المتسبب الأول في تدهور الوضع الخدمي، إلا أن بعض الإشكاليات كان ولا يزال حلها ممكنا، بل إن بعض الخدمات الأساسية كان يتلقاها المواطن بشكل أفضل من اليوم، بمعنى أنها تدهورت وسارت العجلة إلى الوراء. ومن هذه الخدمات خدمة المياه والغاز المنزلي والكهرباء والصحة والتعليم.
فمثلا في وزارة الصحة، وهي المعنية بحياة وصحة الإنسان، نجدها من أسوأ الوزارات في حكومة الإنقاذ. ولعل كارثة أطفال اللوكيميا أبرز مثال على فشل هذه الوزارة، مع العلم أن الكارثة تكررت بشكل أقبح؛ لكن الحادثة الأخرى لم تلقَ رواجا إعلاميا ولم ينشر عنها أحد، باستثناء صحيفة "لا"، وقد ظهر في أحد تقارير الجهاز المركزي أن هيئة الأدوية استخدمت أدوية للبشر وهي خاصة بالحيوان.
وعن الكهرباء فهناك عدة كوارث، أبرزها شراء ديزل مستخدم ومحروق واستخدامه على أنه مازوت، والجاني تم تعيينه رئيسا لهيئة مهمة بدلا من إيداعه السجن.
أما عن الزراعة فمحافظتي الجوف والحديدة (تهامة) كانتا المثال الأبرز لهذا الفشل، لاسيما بعد تلف أغلب محصول القمح في محافظة الجوف واستمرار أغلب أراضيها قاحلة، واستنزاف مبالغ مهولة في مزارع معينة لا يجب أن تستنزف حتى ربع ما تم استنزافه من أموال.
وبالنسبة للملفين الزراعي والصحي كنت قد كتبت دراسة مهمة جدا عنهما بعنوان "الغذاء والدواء أساسيات تتعرض للإهمال والتدمير"، ووضعت فيها المعالجات والحلول المقترحة، ويمكن للمهتمين بهذا الشأن الاطلاع على الدراسة المنشورة سابقا في صحيفة "لا" والموجودة في موقعها الإلكتروني بهذا الرابط:
( https://laamedia.net/articalview.aspx?art=10912)، أو حتى عبر البحث من خلال وضع العنوان في جوجل.
والمشكلة أن هذه العثرات تحدث بسبب المسؤولين والقائمين على هذه الوزارات والمحافظات، وليست الظروف القاهرة، وهذا هو الألم الحقيقي.
عاشراً: تعمد إغفال الجانب الثقافي
من المعروف أن الجانب الثقافي هو الذي جعل الاحتشاد إلى ميادين العزة والشرف متدفقا كالسيول الجارفة، وهو الذي جعل الناس يعرفون ماهية المسيرة، وهو الذي صحح المفاهيم والثقافات المغلوطة؛ إلا أن هناك إهمالا شديدا لهذا الجانب، وهذا الإهمال لم يظهر إلا مؤخرا، وتحديدا منذ النصف الثاني لسنوات العدوان.
فقبل ذلك كان هناك اهتمام بالغ، فمثلا كان موظفو الدولة على موعد مستمر مع حضور دورات ثقافية وفق جدول مزمن، وكان جميع المراكز التي تقام فيها الدورات الثقافية تحصل على احتياجاتها باستمرار، وكان ثقافيو المحاور لا ينقصهم شيء، والآن نجد الجانب الثقافي في حالة عوز مستمر، فمثلا دخلت مؤخرا دورة ثقافية ووجدت المقر بحاجة إلى سخانات طاقة شمسية تخفف على الحاضرين وطأة المياه الباردة جدا أثناء فصل الشتاء. ورغم الرفع بهذا الاحتياج إلا أنه لم يتم إيصال المطلوب إلى المركز، رغم قلة التكلفة.
وكمثال آخر تواصل معي أحد المسؤولين عن الجانب الثقافي في أحد المحاور وسألني إن كان بإمكاني إيجاد متبرع بشاحن لابتوب، فوجدت المتبرع، وطلب صورة اللابتوب ليحدد نوعية الشاحن، وكانت الصاعقة التي ظهرت من خلال صورة اللابتوب أن الجهاز متهالك ومنتهٍ تماما وبالكاد يعمل، فقلت للمشرف الثقافي: أنتم بحاجة إلى جهاز جديد وليس للشاحن فقط! فأجابني بأنه لم يستطع الحصول على الشاحن فما بالك بالجهاز! وأردف قائلا بأنهم بحاجة إلى خمسين بطانية وخمسين فرشاً، ولم يلبِّ أحد احتياجهم، وأنهم بسبب هذا الاحتياج توقفوا تقريبا عن إقامة الدورات الثقافية.
ســــيدي قــائــــد الثــــورة
إن حالة العوز المستمرة التي يعانيها الجانب الثقافي والمختص بتنظيم الدورات الثقافية، يجعلني أتساءل: أين تذهب عائدات استثمارات سبيل الله؟! وأين تذهب عائدات استثمارات أموال المرتزقة؟! وما الذي تفعله مؤسستا «بنيان» و»يمن ثبات»؟! ولماذا لا يتم استخدام فُتات من الإيرادات الخاصة بأموال المرتزقة والخاصة باستثمارات سبيل الله في تغطية جميع الاحتياجات في الجانب الثقافي؟!
هل تم إغفال هذا الجانب لتتوقف عملية التوعية وبالتالي الانتساب والولاء؟!
ولا ندري إلا وقد عدنا إلى الوراء رويدا رويدا، وعادت الثقافات المغلوطة إلى الواجهة من جديد، وبالتالي عودة الأفكار والمعتقدات الهدامة.
حادي عشر: تعمد إهمال التدريب والتأهيل
أي تطوير في أي مرفق حكومي لا يتم إلا بواسطة كوادر مؤهلة للنهوض. وهذا التأهيل يجب أن يتم من خلال دراسة المرفق وتحديد الاحتياج العلمي والتدريبي لكل موظف بحسب العمل المناط به. ولو سألنا: كم جهة حكومية قامت بذلك؟! لكانت الإجابة هي «صفر»، مع العلم أن العائق المالي ليس السبب، وإنما غياب النوايا الطيبة والإرادة، فهناك جهات حكومية بإمكانها تأهيل كل موظفي الدولة، وأهمها المعهد المالي بوزارة المالية، الذي حقق نجاحا باهرا وقفزة نوعية في الإطار التأهيلي والتدريبي لم يسبق أن شهدها المعهد من قبل، وكذلك يوجد المعهد الوطني للعلوم الإدارية والمالية، وغيره من المراكز التأهيلية الحكومية.
وكل ما نحتاج إليه هو برنامج تأهيلي وتدريبي وفق جدول مزمن، بحيث يتم استهداف كل الموظفين بطريقة لا تؤدي إلى عرقلة العمل والدوام اليومي، من خلال تقسيمهم إلى مجموعات وفترات زمنية متفرقة.
وذلك إن تم سيكون إنجازا عظيما، وهي خطوة مطلوبة جدا، لاسيما بعد أن عكف النظام السابق على التوظيف في غير التخصصات العلمية وبالاعتماد على الوساطات والمحسوبية فقط، ولهذا نرى أغلب الموظفين في غير أماكنهم بحسب تخصصاتهم العلمية، بل إن هناك من لديه خبرة تراكمية كبيرة جدا في مجال معين ويتم وضعه في وظيفة لا علاقة لها بخبرته. وبهذا الشأن أيضاً أرى ضرورة تفعيل دور وزارة الخدمة المدنية بشأن التعاقدات والتوظيفات الجديدة، بحيث يتم أي توظيف جديد أو تعاقد أو حتى استعانة عن طريق وزارة الخدمة من بين المسجلين في طلبات التوظيف في الوزارة، وهذا لن يحل مشكلة وضع الشخص المناسب في المكان المناسب فقط وإنما أيضاً سيحد من المحسوبية والعشوائية والتكدس والتضخم الوظيفي، بل وسيعالج مشكلة الازدواج للمتعاقدين في أكثر من جهة، ويترك المجال لمن حُرموا من الوظائف ويحد من مشكلة البطالة، إضافة إلى ضرورة تفعيل التأهيل الفني والمهني، فالحاجة إليه في هذه الفترة أكثر من أي فترة مضت، بينما نجد المعاهد الفنية تعاني من إشكاليات كثيرة جدا، أبرزها غياب المدرسين بشكل مستمر، نظرا لعدم حصولهم على مبلغ شهري يعينهم حتى على المواصلات ذهابا وإيابا. وتعاني المعاهد الفنية أيضاً من تعطل الأجهزة والماكينات والمعدات، وتفتقر للمعامل، حتى عمال البناء وغيرهم ممن يملؤون الجولات والشوارع بالإمكان تأهيلهم مهنياً في معهد فني متخصص وتشغيلهم بعد ذلك في مشاريع تنموية.
هناك أفكار كثيرة بالإمكان تنفيذها؛ لكننا نفتقر لإرادة وإخلاص المعنيين.
ثاني عشر: تعمد غياب التقييم الحقيقي والمنصف
للأسف الشديد، لا يوجد تقييم مؤسسي في اليمن، وبالتالي يصعب تحديد نسبة الفشل في كل مرفق حكومي. وسبب غياب التقييم المؤسسي هو غياب الرغبة في البناء والتطور والنمو، وهذا أحد مآلات التبعية المجحفة؛ لكننا اليوم يجب أن ننتبه لهذه الجزئية، باعتبارنا لم نعد تابعين ولم نعد خانعين ومطيعين لأي دولة خارجية، بالإضافة إلى وجود الرغبة في تطوير وتحسين الأداء المؤسسي. والموضوع ليس صعباً ولا يحتاج إلى نفقات مهولة، فهناك معايير ثابتة للتقييم ومعتمدة وتعطي نتائج دقيقة جدا، ويفترض استخدامها والعمل عليها. أما بشكل عام فالواقع يجعلنا قادرين على تقييم المؤسسات، وبالذات المعنية بخدمات المجتمع؛ لكن هذا التقييم يبقى آراء وليس تقييماً منهجياً.
ويجدر بنا الإشارة هنا إلى أن لدينا منذ أعوام تقييماً خاصاً بالوحدة الفنية للمتابعة والتقييم في منظومة الرؤية الوطنية، والوحدة تصدر تقريرا سنويا على أساس نسبة المشاريع المنجزة من المشاريع الموكل للجهة تنفيذها، ومعايير أخرى.
لكن هناك اختلالات قائمة في هذا التقييم ظهرت مؤخرا، فمثلا أغلب مشاريع الرؤية الوطنية تعثرت بسبب العجز المالي وغياب التمويل، وبالتالي لا ذنب لرئيس الجهة في عدم التنفيذ؛ كون الظروف القاهرة هي التي تسببت في عدم التنفيذ، وليس الإهمال وعدم الكفاءة. ومن ناحية أخرى لا نرى أي تكريم للمتفوقين ولمن حصلوا على أعلى المراتب في التقييم، كما لا نرى أي إجراءات إزاء الفاشلين الذين لا يوجد موانع قاهرة حالت بينهم وبين الإنجاز أيضاً. قد يتم الإنجاز بشكل صوري وشكلي لا وجود له على أرض الواقع، وهذا سببه الاكتفاء بالتقارير وعدم المعاينة.
ففي العام الماضي كرمت وزارة النقل أحد رؤساء الهيئات التابعة لها على أساس أنه الأول في إنجاز مشاريع الرؤية الوطنية، بينما كل الإنجازات لم تتجاوز الدراسات والتسويف، ولا وجود لأي إنجاز ملموس، إضاقة إلى غياب التنسيق بين منظومة الرؤية الوطنية والجانب المالي، فموازنات الجهات تصدر في جهة ومشاريع الرؤية في جهة أخرى، وكأنّ كلاً منهما يمشي في طريق معاكس للآخر.
ســــيدي قــائــــد الثــــورة
نبلغكم أيضاً أنه لا وجود إعلامي للرؤية الوطنية، فالأغلبية حتى اللحظة يجهلون ماهية الرؤية ومشاريعها لكل جهة وخططها وبرامجها وطريقة عملها وطرق التقييم والمتابعة، بل إنهم لا يعرفون حتى من هم القائمون على الرؤية بكل جوانبها، ومن ناحية أخرى يبدو أن أغلب برامج الرؤية في الإطار الإداري تلغي شيئاً اسمه "المحسوبية"، وبالتالي تجد كثيراً من العوائق من النافذين المتشبثين بالسيطرة خارج المعايير الإدارية الناجحة. كل ذلك إضافة إلى أن بعض القائمين على الرؤية انطووا تحت عباءة النافذين المتضررين من الرؤية، وتم التحكم بهم بريموت كنترول، فكان للولاء والسمع والطاعة تأثير بالغ على سير الرؤية الوطنية.
حتى الوحدة التنفيذية للتقييم والمتابعة، يُقال والله أعلم إنها انحرفت عن مسارها وسارت في اتجاه يُرضي النافذين، ولم تعد كما كانت تعمل بمهنية وحرفية دون تمييز ومجاملات.
وعموما، الحديث عن التقييم المؤسسي يطول، وما ذكرناه هنا هو خلاصة القول، ولم نتحدث عن أمثلة من أرض الواقع باستثناء تقييم وحدة التقييم والمتابعة للرؤية الوطنية؛ لأنه التجربة الوحيدة.
وكل ما نرجوه ونأمله هو إنشاء مركز متخصص بالتقييم المؤسسي تكون مهمته تقييم الجهة وتحديد إشكاليات وإيجاد الحلول والمعالجات، وكذا إعداد الرؤى التحديثية والرؤى التطويرية للجهات الحكومية.
ثالث عشر: تعمد غياب الدراسات التشخيصية للمرافق الحكومية
لا شك أن كل مرفق حكومي يعاني من اختلالات وقصور في جوانب معينة، وبتحديدها أولا ثم إيجاد رؤية متكاملة لمعالجتها يتم التخلص منها، وهذا ممكن من خلال تكليف فريق من الخبراء تكون مهمتهم هي تحديد مشاكل المرفق الحكومي وإعداد مقترحات بالحلول والمعالجات لهذه المشاكل، وكذلك إعداد رؤية لتحديث الجهة ورؤية لتطويرها. والمهم في هذا كله هو أن تكون الحلول والمعالجات والرؤى التحديثية والتطويرية قابلة للتنفيذ بحسب معطيات المرحلة والإمكانيات المتاحة والظروف الراهنة. والأهم من هذا هو أن يكون رئيس الجهة، سواء كان وزيرا أو محافظا أو رئيس هيئة أو مؤسسة أو مديرا عاما تنفيذياً لصندوق، يقبل التصحيح وينفذ المخرجات؛ لأن العائق الأكبر أمام التنفيذ هم المعنيون بالتنفيذ؛ لأن التصحيح سبب في توقف حالة الفساد والفشل المستشري في أغلب المرافق الحكومية، مع العلم أن هناك إمكانية لاختيار الخبراء من المرافق الحكومية نفسها، حيث لا تخلو المرافق من الخبراء والمتمكنين، وأحيانا يكون سبب إعاقة التنفيذ غيرة المسؤول وخوفه على فقدان منصبه، لاعتقاده أن ذلك سيكون مؤشراً واضحاً إلى أن هناك من هو أجدر منه بالمنصب، وأغلب المستشارين يتم الاستعانة بهم لأسباب شخصية، وليس بغرض التصحيح، لذلك نجد مخرجاتهم تصب في صالح المسؤول بشكل شخصي، وليس في الإطار التصحيحي العام.
وجدير بنا الإشارة إلى أنه حتى المسؤولون بالإمكان تأهيلهم وتدريبهم، بل إنهم أحوج من الموظف إلى التأهيل والتدريب القيادي إلى أن يصلوا إلى مرحلة التمكين، عبر دورات خاصة بدعم القرار والتخطيط الاستراتيجي.
كما أن مخرجات الجامعة لا تكفي كمتطلبات لسوق العمل، وبهذا الشأن يجب تأهيل خريجي الجامعات بدبلوم خاص، كلّ في مجال تخصصه العلمي مع محاور تأهيلية عامة، لجعلهم مؤهلين لسوق العمل، سواء كانت الوظيفة في القطاع الخاص أو الحكومي.
وهناك الكثير والكثير جدا في مجال التدريب والتأهيل يجب أن يتم، وهو غير مكلف، وممكن التنفيذ ومتاح، والنتائج عظيمة جدا وباهرة.
وللعلم والإحاطة، ما تحدثت عنه هنا ليس مجرد حديث عابر وعرض كلامي، وإنما أيضاً تجربة شخصية، فقد سبق أن كلفني دولة نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية رئيسا لفريق مهمته تقييم الوضع الحالي في إحدى أهم وأكبر الجهات الإيرادية وتحديد مشاكلها وإعداد رؤية بالمعالجات والحلول، وكان شرطي الوحيد هو اختيار فريق العمل معي بنفسي، وهذا ما حدث فعلا، ونزلت إلى الجهة وأنجزت المهمة خلال شهر، وزدت عما كان مطلوباً مني بإعداد رؤية تحديثية وأخرى تطويرية، وكل ذلك كان بما يتوافق مع الوضع الحالي والظروف والإمكانيات المادية، ولم تكن حلولا خيالية أو بعيدة عن الواقع، وتم تسليم نتائج الدراسة لرئيس الجهة، فنفذ المخرجات الشكلية ورفض تنفيذ الجوهر واللب؛ لأن التنفيذ سيوقف الفساد، وبالتالي سيفقد مصالحه، ولم يفرض عليه أحد شيئاً رغم أن تنفيذ النتائج والمخرجات كان سيجعل إيرادات تلك الجهة ستمائة مليون ريال شهريا، بينما تورد حاليا مائتي مليون ريال شهريا، بمعنى أن الفارق يذهب إلى الجيوب، ورغم أن هذه الزيادة لن تكون ناتجة عن زيادة أو استحداث رسوم، وإنما خطوات تضبط الإيرادات وتنميها، وأيضاً ستحقق الخدمات التي تقدمها الجهة بشكل كبير جدا، وستستفيد الدولة والمواطن معا فوائد جمة، إلا أن كل ذلك سيتسبب في وقف تدفق الأموال الحرام المنهوبة من الإيرادات، لذلك وقف رئيس الجهة عائقا أمام الخطوات التصحيحية، وعلى هذا يمكن القياس في جميع الإعاقات التي يواجهها الشرفاء في التصحيح والحلول والتحديث والتطوير، وهؤلاء هم من قصد قائد الثورة بضرورة تنظيم المؤسسات منهم، وليس من الأتربة والأوساخ فقط، فهؤلاء قذارتهم تفوق كل قذارات الدنيا.
هذه المحاور تشكل أهم أوجه الإخفاقات والفشل في بعض الجوانب، والانتباه لها ومعالجتها سيكون له أثر إيجابي عظيم على الأداء الحكومي، وهي التشخيص للواقع المزري وأسبابه والنتائج والمآلات. ومن خلال التشخيص يسهل العلاج؛ لأننا نكون قد عرفنا العلة. وكما سبق ذكره في البداية أن التشخيص أهم مرحل التداوي. والقادم أفضل بإذن الله تعالى.
والله الموفق والمستعان.
 

* نقلا عن : لا ميديا


في الأربعاء 31 مايو 2023 07:14:46 م

تجد هذا المقال في الجبهة الثقافية لمواجهة العدوان وآثاره
http://www.cfca-ye.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.cfca-ye.com/articles.php?id=8433