الباحث عن الحقيقة … السيد المجاهد بدر الدين بن أمير الدين الحوثي “رضوان الله عليه”
الجبهة الثقافية
الجبهة الثقافية

يصادف 19 من ذي الحجة من ذي الحجة وفاة العالم الرباني السيد المجاهد بدر الدين بن أمير الدين الحوثي (رضوان الله عليه) حيث توفي عام 1431هـ بعد عمر حافل بالكثير من المواقف والمحطات العلمية والجهادية، باذلاً حياته في سبيل نشر مذهب أهل البيت وفي التصدي للغزو الفكري والمذهبي، ومنذ انطلق الشهيد القائد في مشروعه القرآني كان السيد بدر الدين الحوثي (رضوان الله عليه) من أول المستجيبين والمساندين له ولاقى في سبيل ذلك ما لاقاه أجداده العظماء أمثال الإمام زيد والنفس الزكية والإمام الهادي وغيرهم من عظماء العترة (رضوان الله عليهم) من معاناة ومتاعب وملاحقات وتشريد، ولكنه لم يتراجع أو يتوانى وهو من كان قد بلغ في العمر عتيا، فسجل بذلك صورة صادقة عن المؤمنين الربانيين والعالم المجاهد، وعن صفوة أهل بيت النبوة الصادقين. إن الحديث عن قامة إسلامية وجهادية كأمثال السيد المجاهد بدر الدين الحوثي (رضوان الله عليه) يحتاج إلى مجلدات ولن تفيه حقه سطور معدودة ولكننا أحببنا أن نقدم للقارئ الكريم نبذة عن هذا السيد الجليل علها تكون مدخلا للتعرف عليه وعلى مشواره العلمي والعملي والجهادي.

 

مولده ونشأته

ولد السيد العالم الرباني بدر الدين بن أمير الدين الحوثي رضوان الله عليه في مدينة العلم والعلماء مدينة ضحيان التابعة لمديرية مجز إحدى مديريات محافظة صعدة وذلك في 17جماد الأولى سنة 1345هـ ينتهي نسبه إلى الإمام الهادي إلى الحق يحي بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن الإمام علي بن أبي طالب عليهم السلام، ومثل آبائه وأجداده من أعلام الهدى نشأ السيد العلامة المجاهد بدر الدين بن أمير الدين الحوثي رضوان الله عليه في أسرة كريمة مشهورة بالعلم والورع والتقوى والزهد والعبادة فوالده السيد العالم الرباني أمير الدين بن الحسين الحوثي وأعمامه السادة العلماء الأجلاء المشهورين بالعلم والورع والتقوى نشأ حليفا للقرآن وعابدا زاهدا باحثا عن الحياة والتعافي لا لجسده العليل بمرض الربو المزمن فحسب ولكن أيضا لأمته العليلة بداء التيه والضياع المطبق عليها عاش متألما من كلا الداءين داء جسده وداء أمته باحثا عن علاج لهما تميز بالإيمان والتقوى والعلم والإحسان فكان والده أمير الدين [رحمه الله] من خيار العلماء المعروفين بعلمهم وفضلهم وتقواهم وإحسانهم وفي كنفه عاش تربية إيمانية قائمة على أساس القرآن الكريم والهدى والعلم ومكارم الأخلاق.

 

مشواره العلمي

هو العالم العارف بالله سبحانه والفقيه المحقق والمطلع المدقق عاش مع القرآن وسبر أغواره وارتوى من معينه حتى لقب بفقيه القرآن تعمق في اللغة والأدب والفقه وفي الحديث وعلم الرجال وفي التاريخ والسير وفي كل الفنون حتى برع في كل الفنون وارتقى الصدارة بكل جدارة أما مشواره العلمي فقد بدأ بواكير دراسته على يد العالم العابد أحسن بن صالح جران وكذلك العلامة عبد العزيز الغالبي والذي كان له الفضل الأكبر في تربيته وتعويده على القيام المبكر قبل الفجر والعلامة عبد المجيد بن حسن الحوثي وهو ابن عمه، وكذلك درس على يد العلامة العابد يحيى بن الحسين الحوثي رحمهم الله جميعا

أما عن أسلوبه في التحصيل فقد فاق أقرانه في حفظ الدروس ومطالعتها وتسميعها عند معلميه وكان ملازما للمسجد لا يخرج منه إلا لحاجته ثم يعود ليعكف على دروسه ويتابع حلقات العلم داخل المسجد ماكثا في المسجد بعد صلاة العشاء للحفظ ومراجعة الدروس وربما طلب هو وزملاؤه من قيم المسجد ترك السراج مضيئا ليتمكنوا من تحصيل ما درسوه في يومهم ومراجعة الدروس الماضية وقد مكث على هذا حتى برع في كل الفنون العلمية فحصل على إجازات عديدة من كبار العلماء في عصره وفي مقدمتهم نابغة العلم والمعرفة أشهر علماء عصره عمه الحسن بن الحسين الحوثي وهو في نبوغه وسعة علمه واطلاعه أشهر من نار على علم كما أجازه العلامة الكبير عبد الله بن الهادي القاسمي بواسطة ابنه إبراهيم بن عبد الله و السيد العلامة المؤيد بن عبد الكريم العنثري والسيد العلامة الحجة علي بن محمد العجري والسيد العلامة الأكبر مجد الدين محمد المؤيدي وغيرهم الكثير من كبار العلماء ومراجع العلم من بني المصطفى رضوان الله عليهم أجمعين.

 

علاقته بالقرآن الكريم

لقد قصد السيد بدر الدين الحوثي (رضوان الله عليه) القرآن الكريم في رحلةٍ إليه منذ شبابه حتى وصل إلى واحاته الخضراء، وغاص في أعماقه، حيث مضى يتدبر القرآن آيةً آية، ويحوّل مفاهيمها إلى منهجٍ عملي جهادي يعكس توجيهات القرآن الكريم في الدعوة إلى الخير والإصلاح بين الناس، والاهتمام بقضايا الأمة وعلى رأسها (القضية الفلسطينية)، رحلةً طويلة أمضاها مع القرآن حتى ترسخت مفاهيمه وتجذرت في أعماقه، فبدت آثارُها في سلوكه وتصرفاته..، وهو كما قال عنه السيد عبدالملك بدرالدين (يحفظه الله) الذي كان أكثر أبنائه ملازمةً له :(( مما أعرف عنه أنسه العظيم بالقرآن الكريم فكان يلازم تلاوة القرآن الكريم ، دائما يحرص على ألا يمر عليه يوم من الأيام إلا ويدرس ورداً لا بأس به من القرآن الكريم وعند الشدائد وعند الأحداث وعند الملمات وعند المحن كان يلجأ إلى تلاوة القرآن الكريم وألحظ له أُنساً كبيراً بالقرآن الكريم ، يلجأ إلى تلاوته بنغمته الشجية بصوته الشجي ويعيش معه حالة مؤثرة جداً الحالة الإيمانية التي يعيشها أيُّ إنسان مؤمن علاقته عظيمة بالله سبحانه وتعالى، ثم اهتمامه بالقرآن الكريم عن طريق التفسير عن طريق التعليم لطلابه، عن طريق دفع أبنائه إلى الاهتمام بالقرآن الكريم ودفع الآخرين للاهتمام بالقرآن الكريم وبشكلٍ كبير.. ))

 

أخلاقه الفاضلة

اتسم بين أقرانه بالصلاح والتقوى يقول عنه السيد العلامة مجد الدين بن محمد بن منصور المؤيد رحمه الله في كتابه التحف شرح الزلف (هو السيد العلامة رضيع العلم والدراسة وربيب العلم والهداية وهو من العلم بالمحل الأعلى وله من الفكر الثاقب والنظر الصائب الحظ الأوفر والقدح المعلى …)

قال عنه السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي -حفظه الله-: (الوالد حظي بتربية متكاملة حيث عاش في كنف أسرة متدينة متميزة بالإيمان والتقوى والعلم والورع والإحسان فكان حي جدي أمير الدين من خيار العلماء المعروفين بعلمهم وفضلهم وتقواهم وفي كنفهم عاش تربية إيمانية قائمة على أخلاقيات القرآن والعلم والتقى

 إن حديثنا أيها الأخوة عن هذا الرجل العظيم -رضوان الله عليه – هو حديث عن الإيمان حديث عن القرآن حديث عن الجهاد حديث عن الصبر حديث عن الصدق حديث عن الوفاء حديث عن الشهامة حديث عن الرحمة حديث عن المسؤولية والحكمة حديث عن مكارم الأخلاق جملة لأنه كان في واقعه في حياته في اهتمامه في أعماله في جمله تصرفاته هكذا يتحرك من خلال الإيمان بدافع الإيمان مستبصرا بالقرآن الكريم مستنيرا بنور الله فروحيته عالية التي منشؤها الإيمان وسلوكه وطريقه في التصرف بمسؤوليته كعالم رباني مسؤوليته في تعليم الناس في بيان الحق في إقامة الدين في إقامة العدل في التربية الإيمانية الجهادية للناس في الأمر بالمعروف في النهي عن المنكر في نشر الخبر ومواجهة الفساد ومواجهة الطاغوت في التحلي بقيم الإسلام وإبرازها واقعا في الحياة بجملها وجاذبيتها ومهما تحدثنا ومهما قلنا يبقي أمامنا الكثير من التفاصيل لم نتطرق لها ]

 

جهاده الفكري

لقد كان (رضوان الله عليه) على درجةٍ كبيرةٍ من الاهتمام بشؤون الأمة وقضاياها الكبرى، وكان يتابع الأحداث من خلال الراديو صباحاً ومساءً، ويناقشها ويحللها باهتمامٍ بالغ، ويدعو دائماً بالنصر للمستضعفين في الأرض خصوصاً في فلسطين وما يعانونه من ظلم الصهاينة الغاصبين، كما تميز (رحمة الله عليه) بالحماس الكبير، والغيرة على الدين من أن تمتد إليه الأفكار المسمومة، وعندما يَطلع على مقالٍ أو يقرأُ كتاباً أو يسمعُ بفكرة تنال من دين الإسلام ومن عقيدة أهل البيت (سلام الله عليهم) لا يستقر له قرار ولا يهدأ له بال حتى يهبَّ لصدها وتفنيدها وإبطالها، ولكن بأسلوب مهذب وطريقة علمية، ومنصفة، فتراه في جميع كتبه في الرد على المخالفين يذكر حجة الخصم ثم يرد عليه من كتب أهل مذهبه كي يُلزمه الحجة.

 

مؤلفاته 

وعندما بدأ الغزو الوهابي للبلاد اليمنية كان (رضوان الله عليه) أول من تصدى له بقلمه ولسانه في إطار جهاده الفكري، فألف عشرات الردود ما بين كتاب ورسالة وشريط كاسيت، ومن أبرز مؤلفاته : (الإيجاز في الرد على فتاوى الحجاز _ تحريرُ الأفكار عن تقليد الأشرار _ الغارة السريعة في الرد على الطليعة _ التيسير في التفسير، وهو موسوعة عظمى في تفسير القرآن الكريم كاملاً مكونة من سبعة مجلدات وله العشرات من المؤلفات ما بين مبسوط ومختصر في مواضيع متعددة)

جهاده الحركي

تمثل دوره الحركي في نشر الوعي الحركي والتربيةِ القرآنية الجهادية، فكان حديثه مركزاً جداً على أهمية وحدةِ الصف وتركِ التفرق، والدعوةِ لإعداد العدة لمواجهة مؤامرات أعداء الإسلام الإعدادِ النفسي والبدني والمادي، فقد كان يستشرف المستقبل بما يهديه إليه القرآن الكريم مما تركزُ عليه آياته الكريمة حول طبيعة اليهود والنصارى وأنهم لا يودّون لنا أي خير ولن يرضوا عنا إلا باتباع ملّتهم، وأنهم يسعون لإذلال المسلمين واستئصال شأفتهم إما مباشرة أو عبر عملائهم من الطغاة الظالمين مما يجعل الجهاد واجباً مقدساً على كل مسلمٍ مستطيعٍ له . وفي وصف استشعار السيد الراحل لقضايا الأمة يقول السيد عبدالملك بدرالدين : (( كان مفعماً بالثقة بالله، الثقة العالية بالله، الأمل، استشعار المسؤولية، قراءة الواقع، التمييز للأعداء الحقيقيين، مدى خطورتهم، وكان حريصاً أيضاً على الوحدة بين المسلمين لأنه يدرك المخاطر الكبرى التي يعيشها العالم الإسلامي، ونجد أنه منذ وقتٍ مبكر كتب كتابه المعروف (التحذير من الفرقة)، وكان دائماً يدعو إلى الوحدة، يدعو إلى الاعتصام بحبل الله، يدعو إلى اجتماع كلمة المسلمين على التقوى يدعو إلى أن يتوحد المسلمون في مواجهة ما عليهم من مخاطر كبيرة )) .

 

محاولات استهدافه

لقد اشتهر بين العام والخاص المحاولات البائسة لاغتيال السيد بدرالدين الحوثي (رضوان الله تعالى عليه) مراراً وتكراراً، لأنه كان مؤثراً بشكل كبيرٍ بتحركاته العلمية والسياسية، فكانت مواقفه المعلنة من سياسات السلطة الظالمة، إلى جانب مواصلة مشواره الجهادي في جميع المجالات، فضاقت السلطة وأذنابُها ذرعاً بهذا العالم المجاهد ومواقفِه المبدئية، فبدأت تثيرُ الغبارَ في طريقه، وتزرع المشاكل، وتضع العراقيل لإسكاته وتدجينه، فمن الترغيب إلى الترهيب إلى التهديد والوعيد ، إلى مضايقة أبنائه وطلابه والمدارس والمراكز التابعة لنهجه ومساره القرآني الحركي الجهادي، إلى غير ذلك من الوسائل والأساليبِ التي كان أبرزها محاولة استهدافه رضوان الله تعالى عليه بمنزله بقرية الخرب بمران نجا منها بألطاف الله ورعايته

في خضم المسيرة القرآنية

كان هذا السيد الكريم هو المرجعية الدينية والداعم والرافد لخطوات نجله السيد المجاهد قائد المسيرة الجهادية وباعث النهضة الرسالية الحسينِ بنِ بدرِ الدين (سلام الله عليه) . فعندما انطلقت الصرخة المدوية(..الموت لأمريكا. .الموت لإسرائيل..) والدعوة لمقاطعة البضائع الأمريكية والصهيونية في عددٍ من المساجد، وعبر المنشورات، وحينما بدأ البعض يشكك في مدى شرعية هذه الخطوة أو جدْوَائيتها كان هذا العالم الرباني(سلام الله عليه) أولَ من هبَّ للدفاع عن هذه الفكرة وبيَّن بكل وضوحٍ أهميتها وضرورتها مستدلاً على ذلك بأقوى الأدلة وأنصعها، ونُشرت فتاواه الجريئة مسطرة بقلمه .

خلال الست الحروب كان يرقب الأحداث عن كثب ويتابع الوقائع لحظةً بلحظة وكأنه في وسط الميدان يتألم لآلام المجاهدين ويفرح لفرحهم، يتحسر كثيراً لعجزه عن المشاركة في ساحة المعركة، ويتمنى لو حملته رجلاه، ونهضت به قواه، لبلوغ ما تمناه، من القتال في سبيل الله . وخلال هذه الفترة ومن بعد الحرب الرابعة بالتحديد حتى الحرب السادسة رغم الأوضاع الأمنية الخطيرة، ورغم التشرد وكل المتاعب والصعاب إلا أنه رأى ضرورةَ مواصلةِ المشوارِ لإكمال مشروعه العظيم في تفسير القرآن الكريم، ومراجعتِه والاهتمامِ به ، وكان قد تبقى منه ستة أجزاء أتمها شفوياً لضعف البصر وعجزه عن الكتابة المكثفة ، وتم تسجيل ذلك وإفراغه من أشرطة الكاسيت، كما حكى ذلك في مقدمة الكتاب .

لقد عانى خلال هذه الفترة من الغربة نتيجةً لِبُعده عن أصدقائه ومريديه، وعانى من الحصار الذي كان يفرضه الوضع الأمني، وذلك بسبب أن السلطة الظالمة كانت حريصةً كل الحرص على معرفة مكانِ تواجدِه لاستهدافِه وتصفيته وبأي وسيلةٍ ممكنة فلم يكن بإمكانه الذهاب إلى أي مكانٍ سوى محيط المنزل الذي كان يقطنه بين الجبال، والذي اضطر أن يبقى فيها طيلة تلك المدة. إنه التاريخ يعيد نفسه، فهنا الإمام القاسم بنُ إبراهيم الرسّي (ع) الذي اضطرّ للتخفي لسنواتٍ طويلة، بسبب ملاحقُة الطغاة له، وهنا محمدُ بنُ عبدِ الله النفسُ الزكيةُ المطارَدُ من قبل السلطات الظالمة في عصره، ومثلهما كانت حياة العلم الرباني بدر الدين بن أمير الدين الحوثي الذي انتهى به المطاف أن ينفى في قفار صعدة رغم كبر سنة ليقضي ما تبقى من عمره منفيا كما كان أجداده السابقون.

على مثلك الأجيال تبكي مؤبدا

وتفديك بالأرواح لو ينفع الفدى

فيومك في التاريخ يوم مخلد

 به انهد ركن الدين والبغي عربد

فسلام الله عليك ورحمته وبركاته أيها السيد الفاضل والعالم الرباني المجاهد والعلم الأشم سليل أعلام الهدى ووارث أمجادهم السيد العلامة المجاهد بدر الدين بن أمير الدين وعلى آبائك وأجدادك الطاهرين.

 

*نقلا عن : موقع أنصار الله


في الأحد 09 يوليو-تموز 2023 07:52:51 م

تجد هذا المقال في الجبهة الثقافية لمواجهة العدوان وآثاره
http://www.cfca-ye.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.cfca-ye.com/articles.php?id=8885