الخدمات الجليلة التي قدمتها وتقدمها أنظمة الخزي والعار والعمالة في منطقتنا للكيان الصهيوني سرا ومن تحت الطاولة لم تكن كافية لكي يطمئن العدو الغاصب ويشعر بالسكينة والارتياح عندما قررت بعض هذه الأنظمة الانتقال بخدماتها من مرحلة السرية إلى المجاهرة والمكاشفة وراح يعبِّر عن مخاوفه من أن يكون هذا التطبيع الجديد باردا على غرار اتفاقيات التطبيع السابقة مع مصر والأردن، حيث كان الرفض الشعبي المتنامي في هذين البلدين ضد وجود الكيان المغتصب على أراضيه السبب الرئيسي في بقاء تلك الاتفاقيات التعيسة أسيرة الأدراج ولم تجد طريقا إلى الواقع بشكل واضح على الرغم من مرور سنوات طويلة على إبرامها.
-مخاوف الكيان التي عبَّر عنها عدد من مسؤوليه السياسيين والعسكريين والقلق الذي أبدوه مما أسموه “سلاما” باردا وبقاء الاتفاقيات المبرمة تتأرجح على مستوى النخب السياسية دون أن تتجلى واقعا في أوساط شعوب البلدان “المطبعة” حديثا ربما بدأت تتلاشى بفعل الحماس الكبير والانسياق المجنون الذي يبديه المطبعون الجدد في النظامين الإماراتي والبحريني واستعدادهم الواضح للذهاب في هذا المستنقع إلى أبعد مما كان يرجوه الصهاينة أنفسهم.
-لقد مضت سنوات طويلة على إبرام اتفاقيات التطبيع بين إسرائيل وكل من مصر والأردن، لكن لم يشعر المواطن المصري أو الأردني بأثر لذلك في حياته وظل النفور والاشمئزاز من مجرد ذكر اسم الكيان هو الشعور الطاغي على غالبية شعبي البلدين وبقي نظامهما يغردان بعيدا عن سرب الجماهير الرافضة لأي شكل من أشكال التقارب مع الصهاينة حتى ولو كان صوريا، وصارت تلك الاتفاقيات العقيمة مصدر حرج كبير لتلك الأنظمة وهو ما كان له الأثر الجلي في كبح رغبة الساسة في المضي قدما لتوسيع التعاون والشراكة المنشودة وبقي تناولهما الإعلامي للموضوع خجولا وفي نطاق ضيق للغاية..
-“التطبيع” المستجد ربما لن يلقى مصيرا مشابها للتطبيع القديم برغم أنه أبرم مع دولتين لا تشكلان أي رقم صعب في خارطة المنطقة إلا أن نظامهما يمتلكان رغبة واضحة لتبديد مخاوف أسيادهما في واشنطن وتل أبيب فيما يخص عدم الترحيب والتفاعل المطلوب شعبيا، وهي الرغبة التي انعكست في الخطاب الإعلامي المكثف لإبراز محاسن “التطبيع” وتسويقه على أنه إنجاز “مشرِّف” ومن تلك الأعمال التاريخية التي لا يقوم بها إلا العظماء والتي من شأنها أن تنعكس بردا وسلاما على أمن واستقرار المنطقة والعالم كله.
-ليس بغريب ولا هو من المفاجآت أن يكون تعاطي نظامي “ابوظبي”و”المنامة” ومن ورائهما النظام السعودي مع “سوأة” التطبيع مع العدو التاريخي للأمة على هذا النحو من التبجح الممجوج والإسفاف المقرف، فهم لم يكونوا منذ النشأة والتأسيس إلا خداما لمصالح أمريكا وإسرائيل والنخر الدائم في جسد الأمة، وهذا الدور الخبيث حتما سيتطور ويأخذ أشكالا أخرى في عهد العلانية، فيما سيبقى الدور السعودي يمارس الخدمة سرا إلى حين أن تتهيأ الأجواء ويصدر القرار من البيت الأبيض وحتى ذلك الوقت سيبقى حكام الرياضِّ يلمعون” الخيانة “ويكيلون لها المدائح ويخلعون عليها أجمل الألقاب والصفات، وقد تجلى ذلك في تغطية الإعلام السعودي للتطبيع الإماراتي البحريني مع الكيان الصهيوني ووصفه إياه بإنجاز السلام التاريخي في تمهيد صريح لإعلان التطبيع رسميا وعلى رؤوس الأشهاد بين مملكة سلمان وإسرائيل، وما أرى ذلك ببعيد.