-يقول المفكر الكويتي البارز الدكتور عبدالله النفيسي، إن ما يمر به المجتمع الأمريكي اليوم من انقسام عميق عقب الانتخابات الرئاسية التي نفذت قبل أكثر من أسبوعين ورفض نتائجها الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب، هو دليل على اقتراب انهيار الفيدرالية في الولايات المتحدة الأمريكية وعودتها إلى دويلات منكفئة على نفسها.
-حاليا تتعالى الأصوات والتحذيرات من الداخل الأمريكي من مغبة إصرار ترامب على التشبث بالسلطة ورفض الاعتراف بخسارة السباق الانتخابي وممانعته وفريق إدارته التسليم بالهزيمة ومباشرة إجراءات نقل السلطة سلميا لخصومهم الديمقراطيين، وما ينطوي على ذلك من مخاطر جسيمة على مصالح البلاد ووحدتها وتجربتها الديمقراطية لكن كل تلك التحذيرات لم تلق آذانا مصغية من ساسة الحزب الجمهوري المتعصبين وعلى رأسهم ترامب، ما جعل كثير من المحللين السياسيين يجزمون بأن هذه الإمبراطورية – التي حكمت العالم بجبروتها طيلة عقود ما بعد الحرب العالمية الثانية – تعيش إرهاصات الانهيار والتداعي والانقسام.
-ربما لن يكون الرئيس ترامب القائد الأوحد لهذا السيناريو المحتمل لكنه سيبقى صاحب الفضل الكبير في إشعال شرارة التشظي والتشرذم والسير على خطى غورباتشوف الذي يٌعزى إليه انهيار ما كان يسمى بالاتحاد السوفيتي وهو القوة العظمى والقطب الثاني في الحرب الباردة والذي تلاشى بشكل دراماتيكي سريع وتشرذم في العام 1994م إلى خمس عشرة دولة، وهو الذي كان قبل ذلك بسنوات قليلة يصول ويجول في الساحة ويوزع القروض والمنح والسلاح والنفط والغذاء على حلفائه من دول المحور الشرقي حول العالم.
-لم يكن اختفاء القوة السوفيتية العظمى ناجماً عن خوضه حروبا خاسرة أو صراعاً عسكرياً داخلياً ولكن ذلك الاتحاد فقد مبرر وجوده التاريخي وفقد ما يسميه رائد علم الاجتماع ابن خلدون &العصبية الداخلية &التي تحافظ على تماسك الدولة وذاب الاتحاد السوفيتي وفق نظرية &ماركس& التي تقول &تأتي مرحلة في عمر الدولة تفقد فيها الدولة مبرر وجودها ومسوًغ استمرارها فتذوب كما يذوب فص الملح في الماء مهما كانت كبيرة وعظيمة&
-سيناريو سقوط الاتحاد السوفيتي في تسعينيات القرن الماضي يتكرر اليوم في الولايات المتحدة التي بدأت فعليا أولى خطواتها نحو الانهيار ولو بصورة بطيئة وغير واضحة لكنه قد يتسارع في أي لحظة خاصة مع وجود كثير من شروط وموجبات السقوط وفي مقدمة ذلك الانهيار الأخلاقي والقيمي والطغيان العابر للحدود وتآكل مصداقيتها كدولة ونظام سياسي، ووصلت في أطماعها ونزواتها في الهيمنة والاستئثار بثروات وخيرات الأمم الأخرى مبلغا غير مسبوق وهو ما يجعل من تلاشيها وذهاب ريحها أمرا حتميا عاجلا كان ذلك أو آجلا.
-لم يعد من المستبعد على مجتمع غير أصيل كالمجتمع الأمريكي – الذين جاء أسلافهم من مختلف أصقاع الأرض واحتلوا الأرض ونكلوا بأصحابها وسكانها الأصليين من الهنود الحمر ومارسوا ضدهم كل أساليب القمع والإبادة والوحشية – الانخراط في صراع داخلي عنيف يعيدهم إلى طبيعتهم الدموية وهو الصراع الذي سيجعل من هذه الدولة المتعجرفة تاريخا يٌروى وماضيا أليما يتذكره البؤساء من عباد الله في مختلف أنحاء العالم بشيء من الحقد والنقمة وكثير من التشفي.. وحتما سيعبرون عن امتنانهم كثيرا لترامب وأنصاره المتعصبين باعتباره القائد الأول لهذا التحول المنتظر والمأمول.