بشرى الغيلي / لا ميديا -
غياب مسلسلات الأطفال ينذر بعواقب قد لا تكون في صالحهم، إذ إنهم لا محالة سيبحثون عن البديل من وسائل أخرى، كالأفكار المعلبة والمستوردة والتي قد لا تلائم عاداتنا وتقاليدنا وقيمنا، لكن عندما تعطى لهم مساحة في القنوات المحلية كونها الأقرب إلى ماذا يريدون، وما هي اهتماماتهم، سينعكس ذلك على بناء شخصياتهم ويستوعبون أهمية وجودهم ويتشبعون بالثقافةِ الوطنية التي تجعلهم أفرادا صالحين ويعوّل عليهم في بناء الوطن كونهم النشء الذي يعطى اهتماما كبيرا في كل مكانٍ بالعالم وتصرف المليارات من أجلهم، وتكون الأولوية لهم. ما يؤسف له أن القنوات اليمنية المحلية لا تعيرهم أي اهتمام، بل تراجعت كثيرا في الآونةِ الأخيرة إلا من برامج تعطى على استحياء لا تفي بالغرض، وحسب المختصين المشاركين في هذا التقرير الذي ناقشته «لا» معهم، فإن غياب دراما الأطفال يرجع إلى أن هناك قصورا كبيرا وطغيان الجانب السياسي على كل ذلك، وغياب الكتّاب المتخصصين للأطفال وغيرها من الأسباب نتعرف عليها ضمن السياق.
ليس لدينا دراما أطفال
ارتبط اسمها كثيراً بالأطفال ولها باع طويل في ذلك، الإعلامية بثنية القرشى ـ رئيس مؤسسة سام للطفولة والتنمية، مدير إدارة المرأة والطفل بقناة اليمن الفضائية، أكدت «غياب مسلسلات الأطفال في القنوات المحلية، الذي هو إنتاج محلي بديهي جداً أنه في ظل غياب الكتّاب الذين يهتمون ببرامج الأطفال، كذلك لا تعطى في الدورات البرامجية والمساحات الخارطية للبرامج في مختلف القنوات التلفزيونية اليمنية والرسمية بصفة خاصة، ولم يكن عندنا شيء اسمه دراما أطفال، ولا أخفيكِ أنني أعمل في التلفزيون اليمني منذ عام 1992م لا توجد دراما خاصة بالطفل، ولكن تأتي على هامش المسابقات الرمضانية الموسمية الخاصة بالطفل، وهو إدخال السؤال أو الفزورة كما يقول إخواننا المصريون وعلى هامشها يكون هناك مقطع أو مشهد لا يتعدى الدقائق الدرامية، ويستهلك الطفل فيها بشكل سلبي وليس إيجابياً مع تحريف الشخصية، وتحريف الهوية، كبعض المسلسلات التي لن أسميها والتي كانت تعمل على تخلف الطفل في أغلب الأوقات، أو تأتي على شكل حوار درامي قصير يهيئ لطرح سؤال تلك المسابقة أو الفزورة الرمضانية».
وقالت: «لا يوجد عندنا دراما للطفل وتكاد تكون معدومة، لا أجحف القول ولكن هي حقيقة ألمسها من خلال تخصصي في الإعلام، وتخصصي في برامج الأطفال منذ أربعة عشر عاما، لاحظت أنه لا يوجد كتّاب متخصصون في الدراما اليمنية، كما هو الحال في الصحافة لا توجد لدينا مجلات متخصصة للأطفال، وكانت قديما مجلة «أسامة» الحزينة أو «المثقف الصغير» التي كانت تصدر من تعز».
التلفزيون لا يعطي الطفل أي اهتمام
القرشي لاحظت من خلال رسالة الماجستير التي أعدتها أن التلفزيون لا يعطي الطفل أي اهتمام «أثبت ذلك عن طريق الاستبيان الميداني أن الاهتمام الآن نسبته 1٪ فقط، بل إننا لم نكن في السابق نخصص ما نسبته 5% للطفل، لكن كنا نكافح من خلال مسؤوليتي في إدارة المرأة والطفل بقناة اليمن الفضائية بأن يكون هناك حيز بسيط للأطفال».
وأشارت إلى أن من أسباب عدم بث مسلسلات الأطفال أنها تكون في ذيل قائمة البرامج التي ترصد للدورة البرامجية، «حيث يرصد برنامج من البرامج المعلبة والمستوردة التي كانت تغطي متطلبات الطفل من الجوانب الترفيهية، لكن التعليم والتربية، والمهارات لا يوجد، لقصور القائمين على الإعلام ومتخذي القرار، الذين يجب أن يكون لديهم وعي كافٍ بأهمية هذه المسلسلات الدرامية التي تلعب دورا كبيرا ليس فقط في تقديم النصح، فأصبح الإعلام حديثاً، والطفل يبحث عن الخيال، عن الإبداع، والإبهار، عن الألوان الممزوجة، فمثلا المخرجة سميرة عبده عملت عملا بسيطا ليس بالمواصفات المطلوبة، ولكن حاولت أن تعمل حلقات سباعية وخماسية كرتون أطفال».
وأضافت: «لا يستغلون قدرات شبابنا في الأعمال الكرتونية للأطفال، لأنه لا يوجد من يهتم بهذه الشريحة، والقنوات لا تعطي لهم مساحة كافية، ولا يوجد كتّاب متخصصون بالكتابة للطفل، وكانت توجد برامج خفيفة في المناسبات وبرنامج أسبوعي لا يؤدي الغرض، لكن السبب كبير وهو عدم وعي القائمين على القنوات الإعلامية، والمضطلعين بالدور الكبير بهذه الشريحة وأهميتها».
ونوهت القرشي إلى أن العمل الدرامي بشكل عام لم يتقن بشكل جيد ولا توجد معايير محددة، وهناك تحسن في دراما الكبار بعض الشيء، كما تقول: «فما بالكم بدراما الأطفال، ومن يعملون في مجال الأطفال يواجهون باللامبالاة في أعمالهم وإبداعاتهم فيضطرون لمغادرة ذلك بحثاً عن مصدر رزق ودعم، لأن من يعملون في هذا التخصص يكونون في ذيل الخارطة، فالأولوية لبرامج المنوعات، ثم السياسية، ثم البرامج الأخرى، ثم تأتي برامج الأطفال، وللأسف الشديد أقول كل حرف وأنا أتألم من أعماق قلبي وحزينة، ولكن من خلالكم وصحيفتكم الغراء «لا» أوجه رسالة قوية مفادها: اهتموا بهذه الشريحة، اهتموا بالنشء لأنهم من سيبنون الوطن».
كسر حاجز الخجل والخوف
مسلسلات الأطفال والبرامج الموجهة للطفل تخاطب عقله وتفكيره، وتتناسب مع مستوى إدراكه، لذا تعد من أهم البرامج التي ينبغي أن تحرص عليها كل وسيلة إعلامية سواء مرئية أو مسموعة أو مقروءة لما لها من إسهام كبير ودور فعال في بناء جيل الغد، تلك هي وجهة نظر فطوم حسن، مذيعة أخبار ومعدة ومقدمة برامج حوارية في قناة سبأ الفضائية. مضيفة: «يلاحظ في الآونةِ الأخيرة غياب البرامج الموجهة للطفل إلا في ما ندر، لما كان في السابق حيث كانت برامج الأطفال تحظى بمساحة أسبوعية، كما كان لهم نصيب من برامج رمضان والعيد أيضاً».
واستشعارا بضرورة وجود برنامج تلفزيوني خاص بالطفل يقوم الأطفال بأنفسهم بتقديمه بهدف كسر حاجز الخجل والخوف الذي بات يخيم عليهم، أعدت فطوم تصورا لهذا البرنامج، غير أنها انصدمت بمشكلةِ قلةِ الإمكانات المادية للقناة، ولم تجد راعٍياً للبرنامج، فتم تجميد مقترحها لأجلٍ غير مسمى، كما وصفت.
المسلسلات الرائجة غير مناسبة لعاداتنا
بناء جيل قوي مسلح بالعلم، والمعرفة، جيل مثقف وواثق من نفسه، ليست مهمة الإعلام وحده فقط، بل هي مهمة الجميع بلا استثناء، بمعنى أنه في حال عدم توفر البرامج التلفزيونية الخاصة بالطفل في قنواتنا كما هو حاصل الآن يقع الدور على الآباء والأمهات في ضرورة الحفاظ على أطفالهم من التعرض لكمية العنف الهائلة التي توجد في مسلسلات الأطفال الرائجة هذه الفترة، عدا عن بعض السلوكيات غير المناسبة مع مجتمعنا وعاداتنا وتقاليدنا، كما تقول فطوم.
وتضيف: «أتمنى على الآباء والأمهات ضرورة تفعيل الرقابة الأسرية غير المباشرة حتى لا يشعر الطفل بأن هناك تطفلاً عليه، أو تدخلاً مباشراً في ما يحب أن يفعل، فالطفل أذكى مما نتصور، ويجب أن تكون هناك رقابة أسرية غير مباشرة، ونسخ مسلسلات الكرتون المفيدة وتعلم منها الأطفال القيم والأخلاق الحميدة كـ»سالي، وأوسكار، وفتاة المراعي، إلخ...» بهدف توفير البدائل عما يشاهده من مسلسلات العنف، والأكشن المزعجة التي تجعل الطفل يقلد ما يشاهده من عنفٍ في المسلسلات التي تبث».
ودعت فطوم الجهات المختصة سواء الرسمية أو الخاصة المهتمة بقضايا الطفولة إلى تخصيص مساحة لبرامج الأطفال ومعالجة قضاياهم.
تخصيص قناة خاصة بالأطفال
من الضرورة أن تُخصص مساحة برامجية للأطفال في القنوات اليمنية، أو تخصيص قناة خاصة بهم حتى لا يضطروا للذهاب نحو القنوات الخارجية التي تغرس مفاهيم وأفكاراً ومبادئ وأخلاقيات غير التي نريدها لأطفالنا كمجتمع يمني محافظ، ذلك ما يؤكده أمين عبدالله الغابري، معد ومقدم برامج وأخبار نائب مدير عام الوسائل الإعلامية ومدير إدارة المذيعين بقناة الهوية، ويرى أن الساحة الإعلامية اليمنية تلفزيون وإذاعة يتسابقون في البرامج السياسية وغيرها من البرامج التي تخاطب الكبار، ولا توجد أي مساحة للأطفال.
وعن قناة الهوية يقول الغابري: «برامج الهوية مع كثرتها إلا أن لها برنامجاً أسبوعياً يُعنى بالأطفال عنوانه «كذبوا علينا»، وهو برنامج ثقافي، وآخر رمضاني اسمه «ولا لي دخل» درامي كوميدي».
ويختم: «لكننا بالفعل لم نصل إلى ما يريده الطفل اليمني صراحة من مساحة محققة له فيها من التسلية والتوجيه ما يريده ويثنيه عن القنوات الخارجية».
ووجه رسالته للقائمين على أمر الإعلام اليمني بالنظر إلى تخصيص مساحة لبرامج ومسلسلات الأطفال بجدية من باب المسؤولية والحرص على النشء.
انعكاس الأوضاع
أرجعت الإعلامية منى الطشي الأسباب إلى واقع إعلامنا اليمني المحلي الذي يلاحظ أنه نتيجة الأوضاع التي تمر بها البلاد من عدوان وحصار قد أثرا كثيرا على مسار وبرامج القنوات الفضائية التي أصبحت أكثر قربا من البرامج والمسلسلات التي تتضمن مجريات الوضع العام، وأهملت جوانب أخرى من ضمنها مسلسلات الأطفال، التي كانت متواجدة بشكل معتاد في القنوات الفضائية اليمنية قبل العدوان خصوصاً خلال شهر رمضان المبارك.
وتؤكد الطشي أن «كل تلك العوامل جعلت القائمين على الرسالة الإعلامية يتوجهون إلى إنتاج البرامج والمسلسلات التي تفضح العدوان وجرائمه بحق الشعب اليمني».
وتمنت الاهتمام بمسلسلات الأطفال من خلال تخصيص مساحة برامجية ودرامية لهم تحمل فيها رسائل تربوية للنشء الصاعد كونهم جيل الغد وبناة المستقبل.
قناة نازحة وأجهزتها بأيدي الاحتلال
محفوظ سالم ناصر، مدير عام البرامج في تلفزيون عدن، يقول: «بداية يقتضيني إحقاق الحق وشرعة الإنصاف أن أحيي لصحيفة «لا» مبادرتها الريادية غير المسبوقة -من وجهة نظري- باستقراء مستوى الاهتمام بالأطفال في القنوات التلفزيونية الوطنية لجهة ما تبثه هذه القنوات من «مسلسلات»، وهي والحق يقال لفتة ذكية تحسب للصحيفة، أما بالنسبة لقناة وتلفزيون عدن فهي قناة يمكن وصفها بالنازحة المهاجرة كل أجهزتها وأرشيفها، ومكتبتها بمقرها الرئيس «عدن» بأيدي الاحتلال وسلطاته من مرتزقة وعملاء، وعلى الرغم من وضعها هذا إلا أنها ومنذ بداية معاودة بثها من العاصمة صنعاء في الثلاثين من نوفمبر 2015 وعلى ضآلة ومحدودية ما توفر ويتوفر لها من كادر بشري وإمكانيات فنية وتقنية ومخصصات تشغيلية، لم تستثن الأطفال من مساحة إرسالها اليومي باعتبارهم فئة واسعة جدا جديرة بالإشباع الوجداني، فخصصت فترة ما بعد أداء صلاة المغرب لتقديم حلقة من مسلسل «منتقى مختار» للأطفال ويعاد بثه في التاسعة من صباح اليوم التالي، وقد حرص الزملاء في الإدارة العامة للمكتبات على انتقاء واختيار مسلسلات عربية وأجنبية تغرس بوجدانات الأطفال قيم الحرية والكرامة والاعتزاز بالوطن والانتماء إليه، فضلا عن تقديم نماذج ومواقف مشرقة يمكن الاستلهام منها والاقتداء بها».
برنامج يقدمونه بأنفسهم
ورغم ظروف العدوان وتداعيات الحصار اللذين يعدان من المعوقات التي تحول دون إنتاج أعمال درامية موجهة للأطفال خاصة بهم، إلا أن اهتمام القناة لم يقف عند تخوم تقديم مسلسل يومي لهم طوال الفترة الماضية، بل إن طموحها تجاوز هذا، يقول ناصر: «خضنا تجربة إنتاج برنامج يقدمونه بأنفسهم في عيد الفطر ويظهرون من خلاله مواهبهم وإبداعاتهم كما يعبرون عن آرائهم وتطلعاتهم وآمالهم، ولم يئد طموح الاستمرار في هذا البرنامج إلا عدم وجود راعٍ له، ولدينا الآن برنامج لا يقل أهمية وروعة عن سابقه، غير أن تنفيذه رهن بالعثور على راع له، وهو إذا ما قيض له هذا الراعي لشكل إضافة نوعية ليس لخارطة قناة عدن من اليمن وإنما لسد فراغ كبير جدا في قنواتنا التلفزيونية الوطنية».
وأطلق محفوظ أمنيته عبر «لا» لوزارة الشباب والرياضة ممثلة بصندوق النشء والشباب لرعاية هكذا برنامج يهتم بشؤون وشجون فئة هامة وواسعة الأطفال: «فالمعروف أن مساحة الحديث عن الأطفال والاهتمام بإشباع حاجاتهم المادية والروحية تفوق كثيرا جدا مساحة الاهتمام بهم على أرض الواقع. وإذا ما صح سؤال الصحيفة عن غياب مسلسلات الأطفال عن القنوات التلفزيونية اليمنية فهذا يعني -ولا فخر- أن تلفزيون عدن من اليمن حالة استثناء متفردة في هذا المضمار».
استهداف ممنهج
وكمصدر له علاقة بالإشكالية تحدثت لـ»لا» سمية الطائفي، مدير عام المرأة والطفل بوزارة الإعلام: «نحن في بداية العام الثامن من هذا العدوان الغاشم على بلادنا واستهدافه الممنهج للطفولة في اليمن لا يخفى على الجميع الاستهداف المباشر وغير المباشر للمؤسسات الإعلامية وخصوصاً القطاع الرسمي حيث استهدفت أغلب المؤسسات والمقرات والأجهزة والمعدات، ورغم كل هذا حاول الإعلام الرسمي جاهدا ألا تنقطع برامج الأطفال والمسلسلات الكرتونية التي توافق المنهجية القرآنية والتوعوية لبناء جيل قادر على الحفاظ على الهوية الإيمانية».
وكشفت الطائفي أن هناك توجهاً من وزارةِ الإعلام وبتوجيهات من السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي أن يتم العمل على إنشاء قناة خاصة بالأطفال، و»يجري حاليا التجهيز لها رغم الإمكانيات المتواضعة جدا لوزارة الإعلام».
برامج أطفال
الكثير ممن لهم علاقة مباشرة بالقنوات الفضائية والمختصين أكدوا غياب المسلسلات الخاصة بالأطفال، بل تكاد تكون منعدمة من خلال سياق التقرير، وتذكر الطائفي أن فترة العدوان بثت برامج للأطفال في القنوات الرسمية كالإيمان، وسبأ، وذكرت البعض منها: «برنامج جيل المستقبل، وبرنامج جيل التحدي، وبرنامج القراءة البغدادية، وبرنامج حكايات ريدان، ومسلسل كرتوني مدبلج السيرة الحسنة، بالإضافة لحلقات الأسرة السعيدة، ومسلسل كرتوني مدبلج يعتني بصحة الأطفال الجسدية، وبرنامج استدعاء طالب، والمزارع الصغير، تربية جيل زراعي وفلاشات وحواريات توعوية وتربوية للأطفال، ومازالت الجهود تبذل في جانب البرامج الخاصة بالطفولة رغم شحة الإمكانيات واستمرار الاستهداف الممنهج للمؤسسات الإعلامية من قبل دول تحالف العدوان».
نستخلص من تصريح المصدر بوزارة الإعلام أن المسلسلات الخاصة بالأطفال قليلة جدا وإن وجدت حسب ما ذكر فهي برامج، والقصد أن يتم التركيز على النشء كونه يعوّل عليه مستقبل اليمن، ونأمل أن يأخذوا بعين الاعتبار كل وجهة نظر طرحت في هذا التقرير والاستفادة منها كون الجميع مختصين ولهم باع طويل في هذا المجال ولهم علاقة مباشرة بذلك، ومحاولة تلافي القصور.
* نقلا عن : لا ميديا