الجبهة الثقافية
طباعة الصفحة طباعة الصفحة
RSS Feed تحقيقات وسرد وحوار ضدّ العدوان
RSS Feed
الجبهة الثقافية
بيانات عسكرية أم كوابيس للعدو..!
بيانات عسكرية أم كوابيس للعدو..!
"7 أكتوبر"... الجنون الذي يغيّر العالم
قراءةٌ في كتاب السفير عبد الله علي صبري .. الجهادُ الأمريكي.. من كابول إلى إسطنبول
قراءةٌ في كتاب السفير عبد الله علي صبري .. الجهادُ الأمريكي.. من كابول إلى إسطنبول
طوفان المياه اليمنية يجرف اقتصاد الصهيونية العالمية
طوفان المياه اليمنية يجرف اقتصاد الصهيونية العالمية
وكيلُ وزارة المالية الدكتور أحمد حجر ل
وكيلُ وزارة المالية الدكتور أحمد حجر ل "المسيرة" ..تحالف العدوان فشل في حربه الاقتصادية على اليمن
لماذا تقمع الحكومة الأمريكية مظاهرات الطلبة ضد إسرائيل؟
لماذا تقمع الحكومة الأمريكية مظاهرات الطلبة ضد إسرائيل؟
هآرتس:
هآرتس: "إسرائيل" خسرت الجامعات الأميركية
ورطة بايدن: الجامعات تنتفض.. ونتنياهو يسترسل في طَيشه
ورطة بايدن: الجامعات تنتفض.. ونتنياهو يسترسل في طَيشه
"حماس" والدولة الفلسطينية المستقلة
قراءة في كتاب.. الجهاد الأمريكي من كابول إلى إسطنبول
قراءة في كتاب.. الجهاد الأمريكي من كابول إلى إسطنبول

بحث

  
وقفات على كتاب "سلطة المثقف والسياسي"
بقلم/ الجبهة الثقافية
نشر منذ: أسبوع و 5 أيام و 22 ساعة
الخميس 18 إبريل-نيسان 2024 09:19 م


في كتابة "سلطة المثقف والسياسي" يتناول الدكتور محمد محسن الحوثي في مدخله الدراسات والندوات التي تناولت الموضوع قبل هذا الكتاب، مشيراً إلى مدى التشابك والتداخل في تلك الدراسات، ليخلص إلى القول: " أنه لا يوجد تعريف جامع مانع للمثقف والعلاقة بينه وبين السلطة في كل الأحوال، وإن التقت فيها بعض العناصر عبر الزمن، إلا أن الجدل سيستمر حول ذلك الموضوع مادام العقل الإنساني يعمل في الفضاء المعرفي الواسع".

كتب زيد الفقيه

 

ومهما كانت تلك الدراسات موضونة ببعضها إلَّا أن ثمةَ تمايزاً بين كل باحث وآخر يستقيه من بيئته ونظامه السياسي والاجتماعي والثقافي، ويعرض الكاتب لبعض المدارس والاتجاهات التي تعرِّف المثقف، والعوامل المرتبطة بالتحديث المجتمعي من منظورات الحداثة والتحديث وما بعد الحداثة، والمظاهر المرتبطة بهما، إلا أنني سأقف مع القارئ الكريم عند مظاهر التحديث العربي التي أوردها الكاتب في هذا الكتاب والتي تمثلت بـــ:

1ـ تطوير الدولة الوطنية التي تتولى مسؤولية وضع وتنفيذ برامج للتنمية الاجتماعية والاقتصادية.

2ـ انتشار التحضر ونمو المدن وتنوع فرص العمل فيها نتيجة وجود دواوين الحكومة والنشاط التجاري والخدمات.

3ـ انتشار التعليم واشتراك عناصر التراث مع عناصر العقلانية لتكوين العقل ونمط التفكير.

4ـ انتشار الأسرة النووية كوحدة سكنية حضرية واستمرار أهمية الأسرة الممتدة كنسق قرابي يساهم في بناء شخصية الفرد وتحديد اتجاهاته.

5ـ انتشاراً محدوداً للصناعة واستخداماً واسعاً لمنتوجات التقانة المستوردة.

6ـ ارتفاع مستوى الطموح أو التطلعات فيما يتعلق بالمكانة الاجتماعية والمقتنيات.

7ـ انتشار الاتجاهات التي تؤكد على أهمية المشاركة بأنواعها وللجميع بما في ذلك المرأة وخضوع أنواع المشاركة لتوجيه عناصر الثقافة السائدة والدور المميز له.

اما ما بعد الحداثة    Post Modernism

فيعرفها أنها حركة تسعى إلى تحطيم السلطة القاهرة للأنساق الفكرية الكبرى، المقامة على إعادة القدرة في تفسير كلِّي للظواهر، وإلغاء الفروق الحقيقية بين الأفراد والشعوب، وتنظر بتشاؤم إلى فاعلية التدخُّل الإنساني والمخططات العقلية في عمل المعلم.

وقد أثبت الكاتب جدولاً عن الباحث إيهاب حسن، يوضح خصائص وسمات الحداثة وما بعد الحداثة وهي كثيرة نتخيَّر منها ما يلي :

الــــــحــــــــــداثـــــة

ما بعد الحداثة

النــــــظــــــام

    الــــفوضى

إبداع، إجمال، تركيب توفيقي

تفكيك، هدم، تحليل

تناسلي، ذكري

متعدد الأشكال، مُخنَّثْ

مثال

متغيِّر

 

وهذا ما تسعى إليه دول الغرب من أجل مسخ الإنسان وفصله عن قيمه حتى يسهل السيطرة على مقدرات الشعوب المالية والبشرية، ثم يعرض الكاتب لتعريف المثقف الملتزم مشيرا إلى أن هذا التعريف أقرب إلى الاتجاه الماركسي الاشتراكي المهني الذي يعمل على النقيض من النظام الرأس مالي، ويسرد تحت هذا المفهوم عدداً من النقاط سنتجاوزها إلى رؤية الأستاذ الدكتور حمود العودي في طرحه لخواص ومميزات المثقف العام وكذلك في البلدان النامية، وهي كثيرة ومتشعبة سنحاول إيجازها فيما يلي:

أولاً الخواص والمميزات العلمة الخاصة بالمثقفين وطبيعة دورهم :

1ـ إن المثقفين بصفة عامة يكونون فئة أو شريحة اجتماعية موزعة رأسياً أو عمودياً بين مختلف الطبقات الأساسية في المجتمع، وهم أقل الفئات الاجتماعية انسجاماً وتماسكاً بحكم المهنة او الظروف أو المرحلة، وهم يشكلون لسان حال كل الطبقات والمصالح المثقفة إلا انهم ليسوا أكثر قدرة على الصمود والتضحية من هذه الطبقات نفسها في سبيل مصالحها الحقيقية.

2ـ إن أهم دور إيجابي بالنسبة لمثقفي أي طبقة ـ سوا كانوا من أفرادها أو ممن تجتذبهم من أوساط الطبقات الأخرى ـ هو ان يساعدوا هذه الطبقة على تنمية حسِّها ووعيها الطبقي ويجعلونها تعي مصالحها جيداً.

ثانيا سمات المثقفين في البلدان النامية :

1ـ البعد الهامشي عن طبقاتهم وجماعاتهم القريبة، وعدم القدرة على تكوين طبقة أو جماعة اجتماعية جديدة متماسكة.

2ـ التذبذب الشديد في اتخاذ المواقف السطحية المتطرفة بين أقصى اليمين وأقصى اليسار مع الاستعداد للعب الأدوار المتناقضة في نفس الوقت.

3ـ الإسراف في النقد النظري والإحجام عن التضحية والعقل العلمي باستثناء القليل.

4ـ سوء الفهم العلمي والتاريخي للمسألة القومية، وسوء الرؤية وانعدام التمييز الجيد بين ما هو أساسي وما هو ثانوي في تعاملهم مع بعضهم أو مع الغير.

5ـ انتشار النرجسية وعشق الذات وتضخيمها المقرون ـ غالباً ـ بالميل إلى استثمار حالة التخلف القائم بفرض أنفسهم عليه، والبحث عن مصالح طفيلية متخلِّفة، وكذلك التشرد وعدم الإحساس بالأمن والاستقرار النفسي والاجتماعي والعائلي تحت مختلف الظروف، ويرى العودي أن هذه السمات تنطبق على المثقفين اليمنيين.     

أما في الصفحات من 26 حتى 29 فيعرض المؤلف لمسميات وتعريفات المثقف فيوجز صفاته حسب ورودها عند الكتاب على سبيل التمثيل للحصر: المثقف العضوي كما هو عند غرامشي، والمثقف الكوني عند بيار بورديو، والمثقف الثائر المتمرد عند سارتر، والمثقف المثالي عند أفلاطون، والمثقف الحائر المرتبك عند أبو حيان التوحيدي، والمثقف المستقل عند الجاحظ، والمثقف المجامل عند ابن المقفع، والمثقف المهرج أبو نواس، وغيرها من الصفات، كما يورد عدد من التعريفات للمثقف عند د. أحمد موصللي، ود. حمود العودي، وإدورد شيلر، وإدورد سعيد، إلا أنني سأعرض للقارئ الكريم تعريف د. أحمد موصللي الذي يعرف المثقف بأنه الذي يملك القدرة على تحويل وعيه إلى خطاب ثقافي، وهو الذي يملك أدوات التحليل والتركيب والانتقال من الواقع اللصيق إلى الحقيقة المجردة، والفكرة المشرقة، وهو القادر على التحرك عبر الزمان والمكان بفكره، متحولاً في آفاق التراث مميزا غثَّه من سمينه، وعرضه من جوهره، وهو القادر كذلك على الوثوب إلى آفاق المستقبل.

يفرد المؤلف فيما يلي من الصفحات حيزاً أكبرَ لتناول أراء الكتاب اليمنين مثل الدكتور عبد العزيز المقالح والدكتور أحمد الأصبحي، وتصنيفاتهم للمثقف، إذ يرى الدكتور المقالح أن ثمَّة ثلاثة أنماط من المثقفين وهم:

المثقف الفقيه، المثقف الأديب، المثقف السياسي المحترف،  ويربط هؤلاء بالسلطة وكيف تعاملوا مع السلطة عبر الفترات الزمنية المتوالية ويبدأ بالمثقف الفقيه المتمثل بالشيخ محمد علي الشوكاني، الذي اعتبره بمثابة المثقف الفقيه المستنير، ويبدي إعجابه به إذ يرى المقالح أن المثقف الفقيه يستطيع أن يؤدي دوراً إيجابياً ومؤثراً في الحياة الاجتماعية والسياسية، ويوضح الفكرة بقوله: " بين فكر المثقف الحقيقي وفكر السلطة الظالمة تناقض طبيعي ورفض تبادل من أقدم العصور، لكن ذلك لا يمنع أن يقوم بين الفكرين جدل استثنائي يكون موضع اعتبار ونظر، كما حدث في آواخر القرن الثامن عشر لمحمد بن علي الشوكاني، الشاعر والمؤرخ والمفكر والعلامة المجتهد الذي ارتبط اسمه بالإمام المنصور، وكيف استطاع شعاع الثقافة الصادر من شخص الأديب العالم أن يذيب قسوة السلطة الوحشية المتجسدة في شخص الإمام، وأن يجعل من مشاركته في الحكم وسيلة لاجتثاث رواسب التعصب والانغلاق، ومحاولة الإفادة من الاقتراب من الحاكم بتوجيه خُطَاهُ إلى العدل وقمع الجاهلين والمتعصبين وأصحاب المصالح الذاتية".

فيما عرض المؤلف لرؤية الدكتور أحمد الأصبحي الذي يقدم فيها تصنيفاً حداثياً للمثقف مصنِّفاً لهم إلى ستة أصناف على النحو التالي:

1ـ المثقفون الملتزمون 2ـ المثقفون التقنيون 3ـ المثقفون الرُّحل 4ـ مثقفو دائرة الضوء 5ـ مثقفو السلامة 6ـ مثقفو الإكراه.

  المثقفون الرُّحل: هم الذين يجيدون التنقل بين فكر وآخر، ومن حزب لآخر، ويبدِّلون الموافق، ليس بقصد البحث عن الحقيقة، وإنما بدافع ارتباط مصلحي خاص قد يكون داخلياً أو خارجياً بحثاً عن فرص انتهازية، ومغانم خاصة، لا يهمهم أن تكون غير مشروعة.

مثقفو دائرة الضوء:  وهم المعجبون بأنفسهم وليس لهم من ثقافتهم سوى البحث عن أن يكونوا في دائرة الضوء، والتي قد تضطرهم إلى استعداء السلطان الاجتماعية أو الديني أو السياسي عليهم، فالمهم عندهم لفت الأنظار إليهم أياً كانت رؤاهم وأطروحاتهم صحيحة أو خاطئة.

مثقفو السلامة:  وهم الذين يعزلون أنفسهم في أبراج عالية، أو في أقبية منخفضة، لا يستفاد منهم في شيء لبعدهم عن الواقع، وعدم تلمسهم لهموم مجتمعهم.

مثقفو الإكراه:  وهذا الصنف من المثقفين نذر نفسه لثقافة الإكراه والترويج لها من مثل: ثقافة التطبيع، وتكييف شروط الهوية لإملاءات الهيمنة العالمية، ويؤكد الأصبحي أن هذا الصنف يستفيد من إمكانات كل الأصناف المشار إليها، ويوظف إنتاجهم الفكري وإبداعاتهم الثقافية ـ ما أمكنه ذلك ـ لصالح ثقافة الإكراه.

ثم يأتي المؤلف على العلاقة بين السلطة والمثقف، وفيها يعرض المؤلف أشياء كثيرة لا يحتمل عرضنا الوقوف عليها، فيها من المنظورات والاتجاهات الكثير، نتخيَّرُ لكم منها اتجاه الاستقلال عن السلطة، والذي يمثله في اليمن الشاعر عبدالله البردوني، إذ استنبط المؤلف ذلك من خلال مواقفه المعارضة والمؤيدة للحاكم، ولو تأملنا قصيدته "شاعر الكأس والرشيد" لوجدناها تمثل هذا الاتجاه إذ يقول في بعض أبياتها:

ـ لو تسامت عقولنا عن هوانا * لهدينا الهدى وقُدنا الزَّمانا

ـ لو تلظَّت قلوبنا بسنا الحُبِّ * لما عانت العيونُ الدُّخانا

ـ كيف يستلُّ بعضنا روح بعضٍ * ألنحيي مآتماً واضطغانا؟

ـ ونسمي لصُّ الحياة شجاعاً * ونسمي عفَّ اليدين جبانا

ـ نحن غرس الإله يحصده الله * لماذا تعيثُ فيه يدانا؟

والقصيدة في مضمونها احتجاج ونقد لاذع للسلطة السياسية والاجتماعية.

وفي موقف آخر للبردوني يقول مؤلف الكتاب أنَّه ما من طاغية على مرَّ العصور إلا وكان يرى أن الاستقواء على الضعيف وسلب قوت يومه والهيمنة على موارده المالية هو أحد حقوقه الخاصة التي لا تحتمل النقاش أو الجدال.

ومن المواقف المعبرة عن مثل هكذا مواقف موقف المثقف اليمني الشاعر عبدالله البردوني الذي كتب قصيدته "في طريق الفجر" في يوم عيد جلوس إمام اليمن مخاطباً له بالقول: 

ـ لماذا لي الجوع والقصف لك * يناشدني الجوع أن أسألك

ـ وأغرس حقلي فتجنيه أنت  * وتسكر من عرقي منجلك

ـ لماذا؟ وفي قبضتيك الكنوز * تمد إلى لقمتي أنملك

ـ وتقتات جوعي وتُدْعى النزيه* وهل أصبح اللصُ يوماً ملك؟

وينهي المؤلف هذا الكتاب الرائع بما يسميه "لمحة يمنية" وفي هذه الّلَمحة يركز المؤلف على خصوصية المثقف اليمني وتناولات الكتاب اليمنيين للمثقف في اليمن وعلاقته بالسلطة، والصعوبات والمعوقات التي تواجهه، لا سيما منذ مطلع القرن العشرين، مستأنساً في بداية هذه اللمحة برأي أستاذ الجيل الأستاذ الدكتور عبدالعزيز المقالح الذي تحدث عن المثقف الأديب المعاصر والسلطة منذ 1935ـ 1948م قائلاً : أن المثقف الأديب ليس فرداً وإنما يمثل المثقفين الأدباء، والأدباء المثقفين الذين ظهروا في أواخر الثلاثينيات منه، (أي من القرن العشرين) وحاولوا أن يصلحوا أوضاع السلطة الإمامية الفردية، هؤلاء شأنهم شأن المثقفين في الوطن العربي، يسعون إلى التحرر من الموروث القديم المتكلس والجديد المفرط في الحداثة التي لا يستوعبها الزمن في المجتمع، وهم الثوار والأدباء والمثقفين الذين أطاحوا بنظام الإمام يحيى حميد الدين، وتعذبوا وسجنوا وطوردوا وأعدموا.

ووفق هذه الرؤية كان المثقف هو الذي ينتمي إلى الثورة والثوار والتنوير الثوري، واستمر هذا المفهوم حتى نهاية السبعينات وبداية الثمانينات من القرن العشرين، حيث أخذ منحى آخر رغم تأثير المرحلة السابقة، إذ يرى الدكتور حمود العودي:

 ـ في موضوع نشره في عام 1980م ــ أن المثقف اليمني هو كل من انتمى وينتمي إلى العمل السياسي المنظم من ذوي الصف الأول والثاني في قيادة هذا العمل، وسواء منهم من برز على مستوى الحياة السياسية والاجتماعية العامة أو احتفظ بنفسه في الظل وهو يمارس العمل السياسي من موقف الصف الأول أو الثاني على الأقل، مضيفاً أنه لا ثقافة ولا مثقفين خارج نطاق العمل السياسي المنظم، أو على الأقل أنهم قد مروا من خلاله ووجدوا بفضله بصورة مباشرة أو غير مباشرة.

ومثل هذه الرؤية تعمم الحالة الشخصية للكاتب على بقية المثقفين إذ لا يتفق كاتب هذه الأسطر مع رأي الدكتور العودي، فثمَّة مثقفون لا ينتمون للعمل السياسي ولا الحزبي ولا يمتون لهما بصلة، وانحصر جهدهم على البحث العلمي والتنويري وخدمة المجتمع المثقف، وقد تكون هذه الرؤية متأخرة في زمن الألفية الثالثة، حيث وصل العمل السياسي في اليمن تحديداً إلى درجة التكلس والصدى السياسي، وقد مثل هذا التوجه مجموعة من الأدباء المثقفين يأتي على رأس هؤلاء الشاعر الكبير عبدالله البردوني، وإن لم يكن من نفس هذا الجيل

ويؤكد ذلك مؤلف الكتاب الذي يشير إلى أن المفهوم يرتبط بالمفهوم العضوي للمثقف، وبذلك يندرج عدد كبير من المثقفين في إطار المثقفين العاديين فقط لأنهم غير منتمين إلى العمل السياسي او السياسة، وخلال فترة الثمانينات من القرن الماضي كان قد ادخل عنصر فاعل على مفهوم المثقف، يتمثل في النضال من أجل إعادة تحقيق الوحدة اليمنية بين الشطرين، وكان يقود هذا النضال اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين الذي كان في الأصل موحداً، رغم وجود كيانين سياسيين، وكان يعقد مؤتمراته في صنعاء، وعدن، وتعز، وإب، وتريم ... الخ. وكان يقود هذا التوجه المناضل الكبير والشاعر عمر الجاوي، الذي يشير إلى دور المثقف وارتباطه بالسياسي والمشروع الوطني بقوله: " دور المثقف المبدع هو أن يمارس الحياة بنشاط يومي سواء كان في حزب سياسي أو كان في اتحاد أدباء أو كان جمعية، نشاط العمل الذي يؤثر على كل الناس هو الكلمة المكتوبة والمسموعة والمرئية ..الخ، فالمثقف المبدع يختلف عن المثقف العادي، ... ، إن دور المثقف اليمني يجب أن يكون له دور حتى وإن كان مع السلطة أو خارج السلطة أو ضد السلطة، وأشك تماماً في ذلك المثقف الذي يريد أن تعطيه دوراً لأن هذه ليست من سمات المثقف أن ينتظر إلى يُعطى دور" ويستنتج مؤلف الكتاب من خلال طرح الجاوي ثلاثة أمور:

1ـ أن دور المثقف المبدع يختلف عن دور المثقف العادي.

2ـ أن المثقفين ـ من وجهة نظر الجاوي ـ مع السلطة، خارج السلطة، ضد السلطة.

3ـ أن يكون مبادراً وفاعلاً، لا ينتظر حتى يُعطى هذا الدور.  

بعد إعادة تحقيق الوحدة المباركة مطلع التسعينات كان المثقف المنتمي إلى حزب أو تنظيم سياسي يتأثر بايدلوجيا ذلك التنظيم، لذلك كان التنوع الثقافي يحدد الأنساق السياسية، مع استمرار تأثير المرحلة السابقة، لكن ثمةَ نماذج من سمي بالسياسي المثقف الذي يراه الدكتور زين السقاف، وصنفه إلى ثلاثة أصناف:

1ـ المثقف الفني: أو ما يسمى بالتكنوقراط، ويشمل: المهندسون، الأطباء، المحامون، الحقوقيون، الاقتصاديون، الزراعيون. ودورهم فني لا يدخلون في تصنيف المثقف الجماهيري.

2ـالمثقف العضوي: وهو من يتبنى موقفاً سياسياً اجتماعياً عاماً وينبري للدفاع عنه والنضال من أجل تحقيق أهداف عامة تمس المجتمع، ويمثله ـ هذه الأيام ـ البرلماني أحمد سيف حاشد.

3ـ المثقف الذي يتواءم مع السلطة في كل آن وزمان، (وهو المثقف الرحال عند أحمد الأصبحي)، ويكاد يكون المعبر عنها والوسيط الذي يزج بقية المثقفين في التعبير عن القوى الاجتماعية المختلفة، ويحتكر الدور كله باسم المجتمع جميعاً لدى السلطة، وكان يمثله في عهد علي صالح الشاعر عباس الديلمي، واليوم هناك العديد ممن يمثلون هذا الدور.

الباحث قادري أحمد حيدر يعيد بداية تشكل وظهور المثقفين السياسيين في اليمن إلى أواخر العشرينات ومنتصف ثلاثينات القرن الماضي، وقد تشكلوا من الطبقة الوسطى في الشمال والجنوب، وبدأ دورهم يظهر كقوة فاعلة ومؤثرة مع تشكل الأحزاب والتنظيمات السياسية الوطنية والقومية، إلا انه وُضُعَ في موضع المرتبك الحائر وغير قادر على استيعاب الحدث لسرعة جريانه بعد تحقيق الوحدة، بسبب ذلك التسارع في تحقيق الوحدة اليمنية وفق مشاورات فوقية سلطوية ـ بين قيادات الشطرين ـ وفي أضيق الحدود، ولم يستطع العقل الثقافي والمثقف النقدي ـ في حينه ـ قراءة ما يجري، وبقي في طور التأمل والمتابعة الخارجية، إما حائراً أو مرتبكاً أو مندهشاً وحذراً.

ونختم عرضا لهذا الكتاب (سلطة المثقف والسياسي) بمصطلح لم يرد من قبل فيما عرضناه وهو مصطلح( المثقف المؤمن) والذي أورده الدكتور محمد عبدالملك المتوكل، ويرى مؤلف الكتاب أن هذا المصطلح هو أحد المصطلحات القديمة الجديدة، ويتلاقى مع مصطلح "المثقف القدوة والمثقف النقدي" في معظم المفردات والعناصر التي ينطوي عليها، ويفرِّق المتوكل بين المثقف المسلم والمثقف المؤمن منطلقاً من الآية القرآنية في قوله تعالى: "قالت الأعراب أمنا قل لم تُؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولمَّا يدخل الإيمان في قلوبكم " ويشير المؤلف إلى أن المثقف المؤمن ينطلق من منطلق القيم وليس المبادئ، لأن المبادئ جزئية تندرج تحت القيم الكلية، وبينه وبين السلطة مسافة، وهو مع الحق والعدل والصدق.

 أتمنى أن أكون قد وضعت القارئ الكريم في صورة شبه شاملة لما احتواه هذا الكتاب القيم متمنياً من كل مثقف الاطلاع عليه. وبالله التوفيق.                     

 

 

*نقلا عن : المسيرة نت

تعليقات:
    قيامك بالتسجيل وحجز اسم مستعار لك سيمكنكم من التالي:
  • الاحتفاظ بشخصيتكم الاعتبارية أو الحقيقية.
  • منع الآخرين من انتحال شخصيتك في داخل الموقع
  • إمكانية إضافة تعليقات طويلة تصل إلى 1,600 حرف
  • إضافة صورتك الشخصية أو التعبيرية
  • إضافة توقيعك الخاص على جميع مشاركاتك
  • العديد من الخصائص والتفضيلات
للتسجيل وحجز الاسم
إضغط هنا
للدخول إلى حسابك
إضغط هنا
الإخوة / متصفحي موقع الجبهة الثقافية لمواجهة العدوان وآثاره نحيطكم علماُ ان
  • اي تعليق يحتوي تجريح او إساءة إلى شخص او يدعو إلى الطائفية لن يتم نشره
  • أي تعليق يتجاوز 800 حرف سوف لن يتم إعتماده
  • يجب أن تكتب تعليقك خلال أقل من 60 دقيقة من الآن، مالم فلن يتم إعتماده.
اضف تعليقك
اسمك (مطلوب)
عنوان التعليق
المدينة
بريدك الإلكتروني
اضف تعليقك (مطلوب) الأحرف المتاحة: 800
التعليقات المنشورة في الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر عن رأي الموقع   
عودة إلى تحقيقات وسرد وحوار ضدّ العدوان
الأكثر قراءة منذ أسبوع
علي الدرواني
ما هو ال"يورديم" ولماذا يخشى الغرب سقوط "إسرائيل"؟
علي الدرواني
الأكثر قراءة منذ 3 أيام
الجبهة الثقافية
هآرتس: "إسرائيل" خسرت الجامعات الأميركية
الجبهة الثقافية
تحقيقات وسرد وحوار ضدّ العدوان
عباس القاعدي
سياسيون وعسكريون يمنيون: الرد الإيراني معادلة ردع جديدة على المستوى الإقليمي
عباس القاعدي
الجبهة الثقافية
نخب سياسية يمنية - عربية ل"السياسية": "الوعد الصادق" كسرت حاجز الخوف وكشفت ضعف "إسرائيل"
الجبهة الثقافية
عبدالفتاح حيدرة
هيا بنا نفهم.. أهم أسباب وعوامل استمرار الوضع المزري
عبدالفتاح حيدرة
رشيد الحداد
رشيد الحداد-«غزو» تحت ستار الحرب..واشنطن تتوسّع في حضرموت
رشيد الحداد
رشيد الحداد
الإمارات «تنعى» السلام في اليمن: عودة التأزّم مع السعودية
رشيد الحداد
الثورة نت
هل بدأ العد التنازلي لانسحاب أمريكا من الشرق الأوسط؟
الثورة نت
المزيد