يعتقد البعض أنَّ الغزو الذي تشنه قوى التحالف بقيادة آل سعود على اليمن، وما يتعرض له من تدمير لبُناه التحتية، ومقدراته الاقتصادية، ومعالمه الأثرية والتاريخية، وقتل وتشريد للمدنيين، وما تقوم به قوى الغزو والاحتلال من ممارسات لا أخلاقية من: حصار اقتصادي خانق، واستخدام الأسلحة المحرمة دولياً، ودعم للمرتزق في داخل البلد، والاستهداف الممنهج للأحياء السكنية، ناتجٌ عن حرص قوى العدوان -وعلى رأسهم آل سعود- على اليمن بلداً، وإنساناً، وحضارةً، ودعماً له ليستعيد مكانته الريادية في المنطقة، ودعماً لشرعية هادي ومرتزقته الذين ألقى بهم اليمن في مكبِّ النفايات في الرياض، إلاَّ أنَّ المنطق التاريخي السياسي والاقتصادي يكشف عن وجهٍ آخر من وجوه هذا العدوان السافر الذي تجاوز (200يوماً) عكس فيه اليمن مدى قوته وصلابته، وحضاريته، وبأنَّه بلدٌ استثنائي، وسيكون عظمةً في حلق الغازي المستعمر، وسيلقن المعتدي دروساً في معنى المواجهة والحرب.
لم ولن تنفق مملكة آل سعود ومن معها من دول التحالف المعتدية مليارات الدولارات في سبيل استرجاع شرعية شرذمة من الفاسدين والفاشلين، والذين ينظر إليهم ملوك النفط وأمراء دويلات الخليج على أنَّهم مجرد أوراق ستحترق في أقل من طرفة عين. ففكرة الحرب على اليمن ضاربة بجذورها في وعي قوى الاستكبار العالمي عبر أدواتها في الخليج لاسيما بعد أن خرج اليمن عن مشروعها التآمري، وتحرر من الوصاية والتبعية والارتهان، واستقلَّ بقراره السياسي، وحسبنا أن نتتبع خيوط المؤامرة على مُقدَّرات هذا البلد منذ الاحتلال البريطاني عام 1839م، وظهور آل سعود على مسرح الأحداث، حيث عملت بريطانيا على تمزيق اليمن وتقسيمه إلى سلطنات صغيرة متناحرة لتستفرد بثرواته وخيراته، فكُتب لهذا المشروع الاستعماري السقوط والفشل على يد أبناء الشعب اليمني الذي عبَّر عن رفضه للغزاة المحتلين بكفاحه على كافة المستويات، وبإمكانيات بسيطة مقارنة بإمكانيات العدو الغازي، فاستطاع الشعب اليمني إسقاطه بثورته المباركة التي اندلعتْ في 14/أكتوبر/1963م. وإخراج آخر جندي بريطاني في 30/نوفمبر/1967م من أرض الوطن، إلاَّ أنَّ مشروع القوى الاستعمارية -وعلى رأسها بريطانيا- لم يعرف الكلل، فسلَّم إلى القوى السياسية العميلة في اليمن مشروع التقسيم تحت عنوان أكثر جاذبية(تقسيم اليمن إلى ستة أقاليم)، لتقوم قوى العمالة والارتهان بمحاولة تمرير هذا المشروع وتنفيذه ليُكتب له السقوط والفشل-أيضاً- على يد أبناء الشعب اليمني المقاوم في ثورة 21/سبتمبر/2014م. تساقطتْ الأوراق من يد القوى الاستعمارية، وعملائها في الداخل، لتتسارع الأحداث، وتتأزم المواقف السياسية، فتوعز إلى أدواتها وأذنابها في الخليج الفارسي لشن حربها وعدوانها على اليمن في 26/آذار/2015م تحت مبررات واهية وحجج مكشوفة، ومغالطات واضحة، ليتجلى الهدف الحقيقي من وراء كلِّ هذا الحق الدفين، والحرب الفاشية في قول شاعرنا عبدالله البردوني في ديوانه(كائنات الشوق الآخر) قصيدة (حوارية الرصيف(ج)):
اليَومَ نَفْطُ الجَوفِ نَادَاهُمُ وَهَل دَعَاهمْ أمسَ مِـــلْحُ الصَّلِيفْ
جَاؤوا بِلاَ داعٍ بلاَ دعـوةٍ هُــــــم المُنادَى وَالمُنادِي اللَّهيف.
إنَّها خيرات اليمن، وثرواته الكبيرة، والتي أسالتْ لعاب القوى الاستعمارية، وأذنابها في المنطقة لاسيما وأنَّ اليمن قد دخل مرحلة جديدة تُبشر بمستقبل واعدٍ بالحرية والكرامة، وتحقيق مستوى اقتصادي متميز تكون فيه اليمن الرائد الحقيقي في المنطقة، تتحول على إثره دول الخليج الفارسي إلى حديقة خلفية لليمن.
وما أشبه الليلة بالبارحة، بين احتلال الأمس واحتلال اليوم، فالهدف واحد، والإمكانيات أكبر، والأدوات مختلفة، والنتيجة واحدة، سينتصر فيها اليمن، وسيخسر العدوان وحلفاؤه.
الله الله يا أكتوبر.