الولايات المتحدة والسعودية ارسلا أسامة بن لادن الى أفغانستان لمحاربة الكفار السوفييت ، والان تتسلم طالبان أفغانستان بعد عشرين عاما من الصدام مع الولايات المتحدة فما هو التفسير.
أنشأت الولايات المتحدة مجموعات مسلحة في افغانستان لمهاجمة الجيش السوفيتي الذي كان ينتشر في افغانستان دعماً للسلطة هناك.
وفي العام 1988 اتفق الرئيس ريغان والرئيس غورباتشوف على انسحاب السوفييت من افغانستان حتى يستتب ما اتفق عليه الطرفان من انهاء للمواقع المشتعلة في الحرب الباردة التي كانت سائدة بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة.
وكانت الولايات المتحدة قد اعتمدت اعتماداً شبه كلي على الاسرة السعودية من أجل تمويل تدريب وتسليح هذه المجموعات الاسلامية المتطرفة في افغانستان كي تشن هجماتها على القوات السوفيتية لإكراهها على مغادرة افغانستان قبل ان يتم ذلك الاتفاق.
هذه هي جذور الدور الامريكي في انشاء المجموعات الاسلامية المتطرفة في افغانستان لمحاربة القوات السوفيتية هناك، وقد اعتمدت اعتمادا شبه كلي على الاسرة السعودية لتمويل اسلحة هذه المجموعات وتدريبها ومدها بيد العون الشهري كي تنظم مزيداً من المقاتلين الذين يرفعون راية الاسلام المتطرف.
ولقد ارسلت السعودية اسامة بن لادن ليكون قائداً لهذه الحملة ضد الكفار والملحدين السوفييت ومدته بالمال بشكل دائم ومستمر وكبير.
وكان الامير سلمان الذي اصبح الان ملكاً مسؤولاً عن ملف افغانستان وهو الذي جمع في ليلة من الليالي في الرياض مجموعة من رجال الأعمال بينهم ثلاثة من أصل فلسطيني جنسوا سعودياً ، وطلب من هذه المجموعة ان لا يخرجوا من الغرفة قبل التبرع بمليار دولار ترسل لاسامة الى افغانستان لمحاربة الكفار والملحدين.
واعتبر سلمان في تلك الليلة ان ما تقوم به العائلة السعودية هو دفاع عن الاسلام ومحاربة الملحدين السوفييت.
ومع نمو العلاقة واتساع نفوذ طالبان وانشاء القاعدة التي تشكل ذراعاً دولياً لطالبان في حربها ضد الملحدين ، مع نموها بدء تناقض يتنامى ونشاطها في أكثر من مكان وبين الولايات المتحدة التي شعرت ان اعمال القاعدة تضر بمصالح الولايات المتحدة ضرراً كبيراً وهو ما لا تريده ولم تخطط له عندما دعمت انشاء طالبان والقاعدة ومدها بمال السعودية لتمويل عملياتها ضد الملحدين؟
ودارت الأيام، وأعلن بايدن انه قرر الانسحاب لأنه ظن ، اي الولايات المتحدة قد نجحت في انشاء نظام في افغانستان له جيش قوي وقادرة على اقامة دولة تكون حليفة للولايات المتحدة وتكون جارة لروسيا وقاعدة للنفوذ الامريكي.
ولعبت قطر في زمن ترامب وفي زمن بايدن دور الوسيط ، الذي جمع مرة اخرى بين الولايات المتحدة التي انشأت المجموعة بمال سعودي في افغانستان وبين هذه المجموعات التي اختلفت وتناقضت واشتعلت بينها وبين الولايات المتحدة حرباً ، لأن الولايات المتحدة اختارت جهات اخرى لتسلمها الدولة الافغانية والجيش الافغاني وليس طالبان التي نحيت من الطريق ومنعت من تسلم السلطة واقامة النظام الاسلامي في افغانستان على يد الولايات المتحدة والناتو.
الاتفاق الذي جرى في الدوحة بين ترامب وطالبان هو نوع من اعادة المياه الى مجاريها ، اي الى ما كانت عليه قبل ان تختلف طالبان مع الولايات المتحدة ، ووعد ترامب بالغاء كافة العقوبات وشطب اللوائح السوداء عند بدء تنفيذ الاتفاق الذي يستهدف الاستقرار وبناء الدولة الافغانية الصديقة للولايات المتحدة والمستنفرة على حدود روسيا وايران.
ولا شك ان التكتيكات التي تتخذها ادارة بايدن سواء بادعاء صعوبة الاجلاء بتدمير الاجهزة في مطار كابول او بتدمير بعض الاسلحة ، كلها حركات تكتيكية لتوحي بان هناك خلافاً كبيراً بينها وبين طالبان ، وما الموقف المضحك من الحكومة التي شكلتها طالبان واعلنت برسالة علنية موجهة للولايات المتحدة بأن هذه الحكومة مؤقتة وانها لتصريف الاعمال وانها ليست الحكومة الرسمية التي ستشكلها طالبان لتضم جميع الاطياف وجميع القوى السياسية في افغانستان ، هذا التكتيك مضحك ، لأننا نعلم ان هنالك اتفاق وان هذه التكتيات للإيحاء بأن هنالك خلاف بين طالبان وبين الولايات المتحدة.
لقد اعلنت الادارة الامريكية ان هنالك مئة امريكي فقط موجودين في افغانستان ، لماذا لم تخرجهم الولايات المتحدة مع الذين اجلوا عن ارض افغانستان ، حتى تبقى هذه القشة مجالاً للأخذ والرد الايحاء بأن هنالك تناقضات بين طالبان وبين الولايات المتحدة ، بينما هنالك اتفاق، تم توقيعه في الدوحة سيجري تنفيذه وهو اتفاق تسليم طالبان افغانستان لتحكمها حسب نظام سياسي اسلامي ، تبدي الولايات المتحدة رأيها في كل بند من بنوده ليمر كنظام حديث يحافظ على التراث الاسلامي ولكن يتبع السياسات الامريكية.
طالبان ليست موحدة الموقف وليست موحدة الرأي وليست موحدة الايدولوجيا ، لمجموعة تتحكم فيها تقاليد عشائرية وانتماءات قبلية وانتماءات لمدارس دينية مختلفة ولكنها كلها هذه الفئات تجمع على ان تتقاسم الحكم لتحكم افغانستان ضمن نظام اسلامي منمق بمبادىء حديثه تضاف للتراث الاسلامي.
لكن السؤال الأهم هنا ، والذي لم يتنبه له احد حتى الان ، هو موقف طالبان من اسرائيل وعندما سئل مسؤولون في طالبان بعد اعلان الحكومة عن موقف طالبان من اسرائيل ، كان الجواب مدهشاً ومفاجئاً وبعيداً كل البعد عن كل المواقف الاسلامية السلمية من اسرائيل ، هذا العدو الذي يحاول تدمير الاسلام وتدمير القومية العربية وتدمير الشعب العربي الفلسطيني .
فقد كان الجواب لا يوجد علاقة لنا ، اسرائيل بعيدة ولا يوجد لنا علاقة بهذا الموضوع ، تصوروا..!، طالبان التي تشن حرباً حسب ما يعلن على الولايات المتحدة لا ترى في اسرائيل عدواً ، ولا ترى بإسرائيل قضية تتطلب موقفاً من طالبان، ولهذا اسرعت البحرين والامارات لمد طالبان بالمساعدات ، طائرة بعد طائرة، وذلك بأوامر امريكية ودعم اسرائيلي حتى تبقي طالبان على موقفها غير المعادي لإسرائيل … فسروا يا ناس !.
اما العامل المفاجىء أيضاً، والذي لابد ان يثير اهتمام الباحثين هو اختفاء دور السعودية عن الواجهة ، فقد كان سلمان عندما كان أميراً مسؤولاً عن ملف افغانستان وزود طالبان بمليارات الدولارات من خلال اسامة بن لادن الذي ارسله الامير سلمان الى افغانستان لمحاربة الملحدين بناء على طلب الولايات المتحدة الامريكية ، لماذا تختفي الان السعودية عن الواجهة ولا نرى طائراتها ترسل المساعدات مباشرة لافغانستان كما تفعل البحرين وكما تفعل الامارات خدمة وانصياعاً لإملاءات واشنطن والدول الاوروبية.
مرة اخرى نقول ، هذا لا يعني ان طالبان بفصائلها وعشائرها متفقة على هذا الموقف ، لكن من الواضح ان الموقف الذي اعلن وهو عدم اكتراث طالبان لاتخاذ موقف ضد اسرائيل ، لم يثر لدى اي فصيل او اي مكون من طالبان اعتراضاً ، ولم نسمع عن اي واحد من قيادة طالبان يعترض على عدم اعتبار اسرائيل عدواً للإسلام وعدواً لإفغانستان .
اين تحبك الأمور ، وأين هي نواصيها، ان تسليم افغانستان لطالبان من قبل الولايات المتحدة ، هو امر لا شك متفق عليه ، ودرس دراسة تفصيلية في الدوحة ووافق عليه ترامب، ثم نفذ ذلك بايدن تحت شعار انهاء الحرب واعادة الامريكيين الى وطنهم ، بينما هو ينفذ اتفاق ترامب ، الذي وقع في الدوحة قبل ذلك .
ترامب الذي طرح صفقة القرن في الشرق ، هو الذي وقع اتفاقه مع طالبان ، فما هو الدور المقبل ، سؤال لابد ان يثير لدى المتتبع رغبة في مزيد من المعرفة والمحك الحقيقي هو موقف طالبان من اسرائيل ، الكيان الصهيوني السرطاني المجرم ، الذي داس على حقوق الشعب الفلسطيني واضطهده ، ومازال يحاصره في كل بيت ، ويقتلعه من ارضه ويقتل الاطفال.
اليست هذه قضايا تتطلب من طالبان ، وان لم تكن جارة لفلسطين ، موقفاً !، هل يتطلب الموقف من حرية الشعوب وحق تقرير المصير، ان تكون جاراً لهذه الدولة الظالمة حتى تتخذ منها موقف ، سؤال كبير.
اذا كانت طالبان تقول من حق الشعب الافغاني ان يقرر مصيره بنفسه دون تدخل خارجي ، فلماذا تمنع هذا الحق عن الشعب الفلسطيني ، ولا تقف الى جانب حقه في تقرير المصير والاستقلال والحريه.
ان الموقف من الاستقلال والحرية وتقرير المصير ليس حكراً على شعب واحد ، بل هو مبدأ ينطبق على شعوب الأرض ، واذا وضعنا الاسلام جانباً ، وان فلسطين دولة اسلامية عربية تحت الاحتلال، تنتهك حقوقها وحقوق شعبها يومياً ، فلماذا لا تتخذ طالبان من حيث المبدأ موقفاً ضد النظام العنصري الذي يمارس ويرتكب كل هذه الجرائم في فلسطين وضد سوريا ، وضد العراق ، وضد اليمن وضد الامة العربية بأسرها.
اذا كانت الامة العربية تسرع لمساعدة الشعب الافغاني انسانياً ، وسياسياً ، فلماذا لا تقف طالبان موقفاً واضحاً من هذا العدو الصهيوني الذي يحاول تدمير شعب فلسطين والشعوب العربية والبلدان العربية وفوق ذلك تدمير الاسلام ، سؤال نوجهه لقادة طالبان .
* المصدر : رأي اليوم