لو كان الأمر مجرد مليشيا مسلحة، أو رئيس مخلوع، لكانت الحرب السعودية قد حُسمت بالانتصار في أسابيعها الأولى.
جوهر الأمر هو أنها حرب ضد مجتمع، هو هذا المجتمع الذي احتشد اليوم في السبعين، والذي يحتشد طوال عامين في كل جبهات المعركة مع السعودية.
لم يستغرق إسقاط القذافي كبير وقت، فالقذافي كان لايزال سلطةً معزولةً اجتماعياً (وهذه ليست حالة صالح).
لم تأخذ المعركة مع داعش في حلب كثير وقت، فداعش معزولة اجتماعياً (وهذه ليست حالة الحوثيين).
ثمة مجتمع هنا وجد نفسه هدفاً للحرب فتكتل ضداً عليها، ومن هذا المجتمع يستمد الحوثيون وصالح قوتهم وقدرتهم على الصمود.
ثمة مجتمع هنا لم يكن الحوثيون إلا تعبيرا من تعابير الحراك العاصف الذي عاشه، وسيل التغييرات الذي شهده، خلال العشر السنوات الأخيرة، وبلغ ذروته مع العام 2011 وما بعده.
مجتمع، فضلا عن كونه منتظماً من يمنيين متعددي المشارب في جزء كبير منه، فإنه في جزئه الكبير الآخر لا يستمد وحدة موقفه من التعريف المذهبي أو المناطقي كما يحلو لرؤى قصيرة النظر أن تعتقد (وإلا فإن مجتمع حلب هو مجتمع "داعش" بما أنه مجتمع "سني" ولكن ذلك لم يفدها)، بل يتوحد بفعل أمور أخرى على رأسها الذعر من حالة الانهيار الشامل، وهي الحالة التي كانت قد بدأت تطل برأسها إبان حكم هادي، ثم حولها التدخل السعودي من خطر محتمل إلى كارثة أكيدة.
لا السعودية ولا حلفاؤها المحليون مستعدين لرؤية هذا المجتمع ولا الاعتراف به، وأبعد من هذا فإن الخطاب المصاحب لعاصفة العدوان لم يتردد في التعامل مع هذه الكتلة السكانية باعتبارها عدواً وهدفاً، على نحو صريح ودون أية مواربة.
شاهدوا سيل السخرية اليوم من مشهد الحشد الجماهيري في السبعين، ورغم إنه حشد ليمنيين ثانيا، وبشرٍ أولاً، ومتضررين من الحرب ثالثاً، إلا أن أفضل متعافي في النخبة المريضة، من مثقفين ومدنيين، يعتبر المشاركين فيه "حميراً"!.
لأسباب عديدة، أقلها عدم السوية الشخصية وسوء الثقافة والتعليم، وأوسطها التأثر الانهزامي بخطاب "الإخوان المسلمين" وبالآلة الإعلامية الضخمة للعدوان، وأعلاها الحاجة للمال السعودي؛ أضحت هذه النخبة محصّنة تلقائيا عن التفكير حتى في مجرد أن هناك "انقساماً" يمنياً يمنياً، وأن فريقاً من المنقٓسِمٓيْن، يقف مع الحوثي وصالح، وأن عليها بالتالي ان تتعامل بإنصاف مع هذا الجمهور باعتباره حرا في خياراته (أياً كانت عوجاء بنظرها)، وليس بالنظر اليه كـ"قطيع" أو "عبيد" كما يحلو لبعض "قطيع" النخبة إطلاقه عليه.
هناك انقسام يقف على أحد طرفيه تكتل بشري ضخم، طوال ما ظل هذا التكتل موجودا ومؤمناً بعدالة قضيته ومعركته فإن حربكم ضده لن تثمر ولا بعد مائة عام. الحوار والتسوية السياسية بين اليمنيين جميعا هما وحدهما الحل.
وهذا تحديدا هو ما قلناه لكم عند بدء الحرب ونقوله الآن لمجرد التذكير، و تجربة العامين كافية لولم تكونوا على هذا القدر من الحصانة تجاه أصغر الحقائق وأكبرها معاً.