عامان يكتملان في أفقنا الزمني، واليمن -شعباً وأرضاً وتاريخاً وحضارة- تواجه أعتى قوى العالم جبروتاً وتسلطاً وقوة وعتاداً، وتثبت للعالم أنها اليمن ذلك البلد الضارب في اعماق التاريخ بجذوره الحضارية والعصي على الانكسار.. مارسوا كل أنواع الغوايات من حصار وتجويع وأدوات التركيع فلم تلن له قناة، استخدموا كل انواع الأسلحة الحساسة الحديثة وبتقنية تكنولوجية عالية، وجندوا الاقمار الصناعية، فظل اليمن شامخاً يرفرف كالبيارق في جبهات العزة والكرامة، استقدموا العساكر من كل بقاع الدنيا من افريقيا وأوروبا من آسيا فكان بأس اليماني هو الغالب بقوة الله وباعتصامه به، وثقته بنصره، حاول المال السعودي أن يصرف انظار العالم ولم يستطع فالظواهر التاريخية والحضارية تفرض وجودها في نسيج الكلمات وفي الحركة التفاعلية البنيوية، وتظل قيمتها كالجذوة التي لا يطفئ وهجها رماد الأحداث.
عامان ينقضيان من عمر العدوان الغاشم على اليمن.. فماذا جنت السعودية من مكاسب؟ بالقياس العام وبحكم طبيعة الاشياء والثقافات والحضارات بين اليمن وصحراء نجد، لا نظن أن السعودية كسبت من هذا العدوان شيئاً فالذي كانت تصله بالدبلوماسية المعهودة لها في اليمن لم تصله بعدوانها وقد جمعت وحشدت إمكانات «17» دولة وعلى مدى عامين كاملين، ساندها العالم كله صمتاً وموقفاً وإعلاماً وسياسة، ولم تبلغ ما كانت تبلغه في العقود الماضية، حين كانت السياسة هي أداتها في فرض ثنائية الهيمنة والخضوع على اليمن، ولن تبلغ شيئاً في قابل أيامها، لأنها أرادت أن تكون الدولة الاقليمية التي تمر مصالح الاقليم حولها فحاصرت نفسها بعلاقات جيوسياسية غير متناغمة، لا في جنوبها وقد امعنت في كل انواع الدمار والقتل، ولا في الشمال وقد مارست كل أنواع الغوايات وزرع الفتن والقلاقل والتدخل السافر في الملف العراقي والسوري، ولا في الغرب بعد أن طرأت أزمة الجزر بينها وبين مصر وتحركت الخلايا النائمة في سيناء والعريش، فالغباء حاصرها جيوسياسياً من كل اتجاه وجعلها في بؤرة قابلة للانفجار ديمغرافياً، فالمكان الذي يتحرك فيه الانسان المقهور والمحكوم بالقبضة الحديدية بدأ يشعر بحاجته الى الهواء والحرية وحاجته الى ممارسة حقوقه، وبدأ يشعر من خلال الصورة النمطية التي تتهاوى أمام ضربات الجنود الحفاة في جنوب المملكة، وبدأت جبال الجليد تذوب في إرادته، ذلك أن النظام الطبيعي حين يصاب بالتصدع والتشقق تكون عوامل انهياره قد بدأت بالتفاعل في النسيج البنيوي العام وتكون مسألة السقوط مرتبطة بعوامل زمنية ذات تواشج مع ارادات اقليمية ودولية.
عدوان المملكة على اليمن قد يكون قاتلاً ومدمراً ولكن من الضرر يأتي النفع، فالذهب لا يصبح ذهباً حتى يذوب في النار، وكذلك الأشياء لا تظهر معانيها إلاّ الأضداد، والأوطان مثل أولئك لا يمكن أن تستيقظ عواملها الحضارية والتاريخية وتبرز في مظاهرها العامة اسئلة الوجود والكينونة وسؤال النهضة إلاّ متى شعرت بقدرتها على مواجهة أسباب الدمار والقتل والفناء الذي تمارسه السعودية وأدواتها في اليمن وهنا تكمن أسرار المعادلة فالسعودية التي فشلت في عدوانها على مدى عامين كاملين سقطت صورتها النمطية في أذهان الناس وبالتالي فقدت أسرة آل سعود تماسك النظام العام والطبيعي الذي يشكل أرضية خصبة، وهي في قابل أيامها ستشهد تصدعات في البنى الاجتماعية والثقافية.. في حين كانت اليمن قد شهدت تصدعاً في نظامها العام والطبيعي منذ عام 2010م وانهار بشكل كبير في عام 2011م وجاء العدوان على اليمن في نهاية مارس 2015م ليعيد ترتيب نسقه في الذات اليمنية.. ولذلك فضرر العدوان لم يكن ضرراً كلياً بل جزئياً وهو لا يخرج عن قول الله تعالى: «لن يضروكم إلاّ إذى».. وهذا العدوان وفق سنن الله وقانون التاريخ هو نوع من التدافع بين قوى الخير وقوى الفساد والشر، وهو في علم الله كائن شئنا أم أبينا ووفق معيارية الباطل وبهرجه في القرآن ستكون اليمن الدولة المعتدَى عليها والدولة المستضعفة هي الدولة الاقليمية الأكثر تأثيراً اذا أحسنا استثمار ما حدث وأحسنا صناعة المستقبل.