|
زيارة بايدن للمنطقة.. التوقيت والأهداف والمخرجات
بقلم/ أنس القاضي
نشر منذ: سنتين و 3 أشهر و 23 يوماً السبت 23 يوليو-تموز 2022 07:39 م
تبدو الولايات المتحدة الأمريكية مرتبكة قلقة يتجاذبها إستقطابان بين الانحسار الاضطراري من المنطقة وبين الخوف من تركها لشعوبها وللدول الصديقة لشعوبها، هذا التناقض يظهر الولايات المتحدة ضعيفة ويهز من مكانتها، ويعطي الشعوب والأقطاب المنافسة قدرة أكبر على الحركة بما فيه مصلحة الشعوب في صون السيادة الوطنية وتعدد الخيارات الدولية في العلاقات السياسية الاقتصادية المعرفية.
ملخص:
قام الرئيس الأمريكي جو بايدن بجولة إلى المنطقة بدأها من الكيان الصهيوني ثم المملكة السعودية، وبخلاف الاستقبال الرسمي والمراسيم التي حفته في "تل أبيب"، فلم تظهر حفاوة في استقباله في السعودية حيث استقبله في المطار أمير مكة وسفيرة الملكة في بلاده.
جاءت الزيارة في لحظة حساسة من توتر العلاقات الأمريكية مع حلفائها وأتباعها بالمنطقة الكيان الصهيوني ودول الخليج والأردن ومصر، خاصة مع تراجع الاهتمام الأمريكي بالمنطقة والتركيز على المنافسة مع الصين في بحر الصين الجنوبي، والحرب مع روسيا في أوروبا، وتآكل مكانة أمريكا في المنطقة عموماً، حيث شهدت العلاقة بين الطرفين برودة استفاد منها الروس، خصوصاً مع حياد دول الخليج في الحرب الاقتصادية الروسية الأوربية.
هدفت الزيارة الأمريكية لتأكيد حضورها في المنطقة، وتطمين حلفائها وأتباعها، وترتيب الوضع الأمني في المنطقة قبل الانحسار منها لضمان عدم سقوطها في المحور الروسي الصيني الإيراني، وكذلك ضمان استمرار تدفق النفط، ودمج اسرائيل أمنيا بالمنطقة، وكجزء من حملة التنافس السياسية التي تقوم بها كل من أمريكا وروسيا في العالم والمنطقة في حشد الحلفاء مع اشتداد الصراع في أوكرانيا، وبداية دخولنا عصر التعددية القطبية (استمرت الأحادية القطبية 40 عاماً ولم تعد ممكنة).
تعد السعودية هي المستفيد الأول من الزيارة خصوصاً بن سلمان، كما انتزعت دويلات الخليج تعهدات أمريكية بالمزيد من الحماية (وعملياً قدمت الولايات المتحدة أقصى معوناتها العسكرية ولا تملك جديداً على هذا الصعيد)، ومن جانب آخر استعادت الولايات المتحدة حيوية العلاقات مع حكومتي مصر والعراق.
كما خرجت الولايات المتحدة الأمريكية بتعهد من السعودية بزيادة انتاجها للنفط بمقدار مليوني برميل يوميا ليصل إلى 13 مليون برميل يومياً وهو حاجة ملحة للولايات المتحدة وحلفائها من الدول الصناعية الغربية التي تتخوف من دخولها في مرحلة ركود لارتفاع اسعار النفط، إلا أن السعودية لا تزال تعلق الأمر على أوبك.
في الشأن اليمني أكد بايدن على مسألة الهدنة، فلاتزال المصلحة الأمريكية هي في استقرار المنطقة من أجل ضمان تدفق الطاقة وحركة التجارة العالمية، وفي مقابل هذا التوجه الإيجابي(الإضطراري) المؤكد على الهدنة الذي قد يعطي إمكان تسوية الأزمة اليمنية، فقد شدد بايدن على مسألة مكافحة الإرهاب وتأمين الملاحة البحرية مركزاً على البحر الأحمر، وهو ما يعني استمرار التحالف الأمريكي البحري في البحر الأحمر، فالأخطار قائمة بالغزو البحري أو التهديد به، فيما الحصار لايزال مستمراً، وهناك مقولة لثعلب السياسة الأمريكية هنري كيسنجر أن الولايات المتحدة الأمريكية ليس لها مصلحة من حل أي مشكلة في العالم(على نحو عادل) إنما تكمن مصلحتها في الإمساك بخيوطها.
كان من الملاحظ تصريح بايدن عن نهاية زمن الغزو الأمريكي للمنطقة -كما في العراق وسوريا-، هذا الأمر يعكس العجز الأمريكي عن شن مزيد من الحروب، فالغزو العسكري شكل بدائي من الاستعمار القديم التي كانت عليه بريطانيا وفرنسا واليابان وغيرها من الدول الغربية ، وفي مقابل عجز الولايات المتحدة عن ممارسة التدخل العسكري المباشر فلاتزال قادرة على ممارسة الاستعمار الجديد عبر نهب الشركات للمواد الخام و تصدير الرأسمال المالي والاستثمارات وشروط صناديق الإقراض والاتفاقيات التجارية فلا تزال الولايات المتحدة حيوية في هذا المجال وتكاد السعودية تصبح مستعمرة اقتصادية أمريكية وستزداد أهميتها بالنسبة لواشنطن( علما أن السعودية كانت على الصعيد الاقتصادي دولة رعاية اجتماعية تحكم النشاط الاقتصادي في البلد مستقلة في نشاطها الاقتصادي ومغلقة نسبياً على السوق الرأسمالي العالمي، باستثناء قطاع النفط فيما اليوم تفتح أبوابها للاستثمار الأمريكي في مختلف القطاعات).
ولمصر والعراق واليمن وغيرها من دول المنطقة ذات الأهمية الاقتصادية كمستعمرات أمريكية جديدة، وكذلك إفريقي التي انصب لها الاهتمام الأمريكي اقتصادياً منذ العام 1997م، ومع مؤشرات انحسار أمريكا عسكريا من المنطقة ستظل هناك معركة تحرر اقتصادي مؤجلة.
التقرير كاملاً
توقيت الزيارة
جاءت الزيارة في ظل الأزمة الداخلية الأمريكية حيث تعاني الولايات المتحدة من أزمة طاقة وركود اقتصادي، كما تأتي الزيارة في ظل استمرار الحرب في أوكرانيا وتصدر روسيا للمشهد وصمودها فيما يتزعزع موقع حلفاء الولايات المتحدة في أوروبا وتتهاوى حكومات دول الناتو تحت وقع التداعيات الاقتصادية للعملية العسكرية والعقوبات الاقتصادية على روسيا.
كما تأتي الزيارة في ظل تفوق الاهتمام الأمريكي بأوروبا وبحر الصين الجنوبي على الاهتمام بالعالم العربي الإسلامي وهو الأمر الذي خوف الحكومات العميلة لأمريكا بما فيها الكيان الصهيوني من ترك امريكا المنطقة لخصومها.
كما تأتي الزيارة في الوقت التي تتجه في السعودية والإمارات إلى تنويع العلاقات الاقتصادية السياسية العسكرية مع روسيا والصين والكيان الصهيوني(وهي المرة الأولى التي يتنافس فيها المجمع الصناعي الأمريكي والإسرائيلي على سوق الخليج) إلى جانب بقاء العلاقة الوثيقة مع الولايات المتحدة، وقيام الدولتين بحملة ضغط على بايدن للتأثير عليه لتصعيد الموقف التفاوضي مع إيران في الملف النووي وجلب مزيد من الدعم الأمني. فعلى الرغم من أن دول الخليج والأردن تعتبر علاقاتها مع الولايات المتحدة عنصراً أساسياً في أمنها ، إلا أنها منزعجة من تراجع الاهتمام الأمريكي بمشاكلها الأمنية.
كما أن الرأي العام العربي يميل إلى دعم علاقات خارجية مع روسيا والصين، وتتأكل شعبية الولايات المتحدة بين بلدان المنطقة، ومع بدء العملية العسكرية في أوكرانيا تضاعفت شعبية روسيا في المنطقة على حساب الولايات المتحدة، وفقاً لتحليلات واستبيانات مراكز أبحاث أمريكية وصهيونية.
أهداف الزيارة
في هذه الظروف-السالف ذكرها- توجهت الولايات المتحدة إلى الكيان الصهيوني ثم السعودية وجمعت الحكومات العميلة لها في قمة جدة، لتطمئنهم، وتحافظ عليهم من الانتقال إلى معسكرات أخرى، وتضمن استقرار تدفق النفط وزيادته وكذلك حشد بلدان المنطقة إلى موقفها تجاه أوكرانيا وإيصال رسالة لروسيا والصين وإيران أنها ستظل في المنطقة رغم انشغالاتها الخارجية، وتحسين سمعتها في المنطقة لهذا تحدث بايدن عن نهاية زمن حروب أمريكا البرية، وعن استراتيجيتها الجديدة في الشراكة مع بلدان المنطقة على أسس الأمن والتنمية.
كما يسعى بايدن لتعزيز علاقات التطبيع بين السعودية والكيان الصهيوني خدمة للمشروع الغربي في المنقطة فمسار رحلة بايدن يرسي خطوط تواصل مباشرة من تل أبيب إلى الرياض؛ فزيارة بايدن للمنطقة هي امتداد لزيارة ترامب ومشروع "صفقة القرن" التصفوي للقضية الفلسطينية، إلا خطوات بايدن وئيدة وعملية يومية بخلاف نزعات ترامب المهرجانية. وتسعى الولايات المتحدة إلى تعزيز موقع الكيان الصهيوني على حساب دمشق وطهران والجزائر وترسيخ الوجود العسكري الاستعماري قبل الانحسار الأمريكي والتوجه نحو الصين. ، وكذلك حشد الحكومات العربية العميلة للاصطفاف ضد روسيا وهي حرب لا مصلحة لشعوب المنطقة بها.
مخرجات الزيارة
• اظهر بايدن تراجعاً عن قضية خاشقجي، وفيما هدد بايدن من تكرار الجريمة كان رد بن سلمان ينطوي على نوع من الفضاضة حين قال بأن الجريمة تحدث في أي بلد مذكراً أمريكا باخطائها في العراق منها أبو غريب، فبن سلمان مُصرٌّ على حقه في ممارسة سياسة قمعية تجاه المعارضة، لهذا قال أن بلاده لديها قيمها الخاصة المختلفة عن القيم الأمريكية، ولم تعد السعودية دولة منبوذة كما وعد بايدن سابقاً.
• في الوقت الذي كان من المتوقع فيه أن يكون هناك تحالف عسكري مضاد لإيران، جاءت دعوات بن سلمان وبن زايد إلى إيران أكثر عقلانية مع استعداد للتعامل معها كدول جارة والتعاون معها بشروط احترام المواثيق الدولية ومنظمة الطاقة الدولية.
• يبدو واضحاً من الزيارة أن السعودية تقدمت خطوة علنية في مسار التطبيع، فيوم وصول بايدن إلى دولة الاحتلال قال مسؤولون صهاينة إن تل أبيب "ليس لديها أي اعتراض" على تسليم مصر الجزيرتين إلى السعودية"، ولكن ذلك سيكون بموجب شروط اتفاقات السلام لعام 1979 بين القاهرة وتل أبيب، وهو ما يعني التطبيع. فيما أعلنت هيئة الطيران المدني السعودي فتح أجواء المملكة أمام جميع الناقلات الجوية بما فيها الإسرائيلية ضمنياً.
• أعلن بن سلمان إن المملكة ستزيد انتاج النفط إلى 13 مليون برميل وصولاً إلى العام 2027م في اليوم بزيادة مليوني برميل، وأن ذلك هو الحد الأقصى الممكن، ويكون بن سلمان بذلك قد رضخ للمطالب الأمريكية واضرَّ بروسيا التي تسخسر من انخفاظ سعر عائدات النفط، إلا أن السعودية عملياً منذ شهرين تستورد النفط الروسي المكرر للاستهلاك المحلي وهي بذلك تدعم الموازنة العامة الروسية، وعقب عودة بايدن إلى أمريكا صرحت السعودية أن قرار زيادة انتاج النفط لازال معلقاً على اجتماع قادم لأوبك تحسم فيه المسألة.
• السفيرة السعودية في الولايات المتحدة قالت أن طبيعة العلاقة السعودية الأمريكية القديمة النفط مقابل الأمن علاقة عفا عليها الزمن، وأن علاقة الشراكة الجديدة ستقوم على الاستثمار والتنمية المستدامة في التعليم والتكنولوجيا والتنويع الاقتصادي والطاقة الخضراء. حيث أعلنت وكالة الأنباء السعودية توقيع 18 اتفاقية ومذكرة للتعاون بين الرياض وواشنطن في مجالات الطاقة والاستثمار والاتصالات والفضاء والصحة، وذلك على هامش زيارة بايدن للمملكة.وشملت الاتفاقيات التعاون في مجالات صناعة الطيران، والصناعات الدفاعية والتدريب والتأهيل والطاقة النظيفة.
• رغم انسحاب أمريكا من أفغانستان وجزئياً من العراق إلا أن أطماعها الاستعمارية وأساطيلها الحربية مستمرة في البحر الأحمر، حيث جاء بايدن إلى المنطقة محملاً بالسياسة الخارجية التي ترسمها لوبيهات المجمعات الصناعات الحربية والصهيونية والنفطية التي لها مصلحة من بقاء الولايات المتحدة.
• اطلق بايدن عدة تصريحات تطمينية وهي ليست جديدة مقارنة بالتصريحات الأمريكة السابقة طوال هذا العام التي تتحدث عن تعزيز الدفاعات الجوية، ومواجهة الإرهاب، وتأمين الملاحة البحرية، ومنع إيران من الحصول على سلاح نووي.
• التطمين الجديد الذي جاء بلهجة مباشرة هو المطلوب لكل من إسرائيل والسعودية والذي صرح به بايدن هو أن الولايات المتحدة "لن نترك فراغا في المنطقة لصالح روسيا والصين وإيران".
• من الملاحظ أيضاً في حديث بايدن عن تأمين الملاحة، التركيز على الملاحة في البحر الأحمر، وهو ما يعني استمرار التحالف البحري العدواني الموجود حالياً في البحر الأحمر.
• كان من الملاحظ أيضاً حديث بايدن أن يفتخر بإعلان "إن عصور الحروب البرية في المنطقة، الحروب التي شاركت فيها أعداد كبيرة من القوات الأمريكية، لم تعد قائمة". هذا التصريح ينطوي على جانبين فهو من جهة اعتراف بالعجز الأمريكي عن ممارسة دور الإمبراطورية ومن جهة ثانية يضمر استمرار التدخلات عبر الحروب الجديدة (الطائرات بدون طيار والحروب السيبرانية وغيرها).
• فيما يتعلق باليمن قال بايدن إنه يعمل مع السعودية وسلطنة عمان لإيجاد حل سياسي في اليمن.
• عادت حيوية العلاقات بين مصر والولايات المتحدة بعد لقاء بايدن بالسيسي الذي طرح عليه مسألة أزمة الأمن الغذائي في مصر، بعد أن مرت بفترة صعبة خلال الأشهر الأولى من رئاسة بايدن وسط خلافات حول حقوق الإنسان، قبل أن يدفع نجاح مصر في التوسط من أجل التوصل لوقف لإطلاق النار في غزة في مايو 2021 إلى عودة العلاقات إلى مجراها الطبيعي.
• عادت حيوية العلاقات الأمريكية العراقية التي تعرضت لنوع من الفتور بعد اغتيال سليماني والمهندس، حيث قال رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي في مؤتمر صحفي عقب اجتماعه مع الرئيس الأمريكي "نعمل على تطبيق اتفاقية الإطار الاستراتيجي بين العراق وأمريكا بشأن التعليم والثقافة", كما قدم شكره إلى "الولايات المتحدة على دعمها في محاربة الإرهاب".
• وجه بايدن دعوة لرئيس الإمارات محمد بن زايد لزيارة البيت الأبيض قبل نهاية هذا العام، كنوع من التصالح ورد الاعتبار لابن زايد بعد فتور العلاقة سابقاً.
• لضمان الانحياز إلى أمريكا في الحرب مع روسيا، أعلن بايدن عن تقديم مساعدات بقيمة مليار دولار على المديين القريب والبعيد للأمن الغذائي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
* نقلا عن :سبأ نت |
|
|