قالت صنعاء: إن اللقاءات التي أجرتها مع الوساطة العمانية كانت مثمرةً وقدمت تصوُّراتٍ للأفكار المطروحة في المفاوضات، وفي هذا القول لا تسوق صنعاء لأي تقدم أَو بشائرَ تلقتها في اتّجاه الهُدنة أَو السلام، بقدر ما أوحت بأن أبرزَ ثمار الزيارة كانت رسماً مفصلاً لخارطة طريق، إن مضى عليها تحالف العدوان فَـإنَّها تقود الجميع إلى نقطة السلام.
يمضي الموقف الوطني في المسار السياسي رغم نضج وتراكم الوعي بحقيقة النوايا والأجندة الأمريكية والصهيونية، وحراكها المُستمرّ في المناطق والجزر والمياه اليمنية، وكلها تنبئ بأن المشاريع والأهداف تتجاوز المرحلة الراهنة وتسعى لتأسيس واقع طويل المدى لهذا الحضور العدائي المقوض للسيادة والاستقلال، وهي شواهد عملية تؤكّـد لا جدوائية الرهان على الملف التفاوضي في ظل ما يُحضَّر له، تعلو أصواتُ طبول الحرب على ذبذبات السلام الضعيفة والمفرغة، وَسنن الله وَمعطيات الصراع مع هذا العدوّ تقتضي اختبارَ القدرات والإرادات في ميدان المواجهة العسكرية إن عاجلاً أَو آجلاً.
غير أنها وَبصبر استراتيجي وَنفَسٍ طويل تخوضُ صنعاءُ المعركة، منفتحةً على كافة المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية، تستقبلُ الوسطاءَ وَتستدعي الحلولَ ولا تألو جُهْداً في تكرار النقاش حول مقرّرات السلم وَمبرّرات الحرب، وباستحالة للحوار السياسي في ظل أجواءٍ معقدة وشائكة وأزمات إنسانية واقتصادية، وفي كُـلّ الاتّجاهات تتمسك بخياراتِها؛ تحسباً لكل المواقف وَالأجندة العدائية التي تحيط بها وتستهدفها.
وفي تفاصيل الزيارة كان هناك رسائلُ أبرقت بها صنعاء عبر الوسطاء، مضمونها أن البقاء على نقطة اللاسلم واللاحرب صار مضجراً ومكلفاً للشعب ومعمِّقاً لمعاناته، وَأن الموقف الديني والوطني والإنساني يحتم عليها أن تتحَرّك لإنهاء هذه الحالة من الاستنزاف الذي يتعرض لها اليمن الأرض والإنسان، كما حملت الرسائل تلميحات للعدو بتبعات أية إجراءات اقتصادية إضافية تستهدف البلد، وأنها قد تقلب الطاولة وتعيد المعركة إلى نقطة الصفر.
بفضل الله وحنكة القيادة وَاصطفاف الشعب، تمكّنت صنعاء من إحالة سنوات العدوان إلى أعوام من الصمود والبناء، وعلى هذا المسار نجحت في فرض قواعدَ اشتباك جديدة، وبقي على الطرف الآخر إدراكُ حقيقة هذه المتغيرات، فلا التزامات تمنعُ عنها اليوم حسم الخيارات وَتدشين المعركة، سوى احترام جهود الأشقاء وإقامة الحُجّـة على رؤوس الأشهاد.