آخر الأخبار
عبدالرحمن مراد
طباعة الصفحة طباعة الصفحة
RSS Feed مقالات ضدّ العدوان
RSS Feed
عبدالرحمن مراد
المجازر في غزة
معركة المفاهيم الاجتماعية والسياسية
سيناريو الشرق الجديد
عن عملية الوعد الصادق الإيرانية.. “رؤية”
الحدث وأثره في صناعة الحياة
خاطرة بين يدي العيد
فشلُ التحالف في تطويع اليمن
جدلية الصراع بين المسلمين واليهود
الصراعُ بين اليهودية والإسلام
العام العاشر من الصمود

بحث

  
التعايش المدني والإسلام
بقلم/ عبدالرحمن مراد
نشر منذ: أسبوعين و 14 ساعة
الجمعة 03 مايو 2024 12:17 ص


مع كل مرحلة جديدة في حياة الأمة يفترض أن يكون هناك مرحلة متطورة وجديدة من الوعي بالحقائق التاريخية، وبالقراءة الفاحصة للفكر الإسلامي، حتى لا نتخلف عن الركب، ويسبقنا العالم من حولنا بقيم نحن أحق بها ولكننا تركناها وأعاد العالم من حولنا إنتاجها فتقدم وتراجعنا.
فالهجرة النبوية – مثلا – من مكة إلى المدينة لم تكن حدثا عابرا في فكر الكثير من أرباب الفكر الإسلامي، فلم يكد حديثهم يتجاوز وصف الرحلة، وتتبع الروايات حول الحدث، والبعض يرى في الكثير منها بعدا عقائديا، والآخر بعدا تشريعيا، والبعض بعدا أخلاقيا، ولم نجد من يقرأ الحدث في أبعاده النظرية والرمزية، ولا في إشارات الانتقال التي كان يرمز إليها الفعل .
فالهجرة لم تكن إلا انتقالا من حال دل عليه المكان بكل دلالاته الثقافية والاجتماعية والاقتصادية، ولذلك غفل الفكر العربي عن تفسير الحالة تفسيرا منطقيا يتسق ورسالة الإسلام كرسالة سماوية خاتمة للبشرية، ذلك أن إيماننا المطلق بالله يرى أن الله كان قادرا أن يزرع المحبة في قلوب كفار فريش ويجعل منهم أمة تتقبل الرسالة وتبشر بها العالم من حولها، لكن حدث العكس، فقد كانت قريش بكل مدلولات المكان الاجتماعية والثقافية والاقتصادية بيئة طاردة للرسالة وغير قابلة للتحولات وحالات الانتقال التي يحملها الرسول الأكرم للبشرية، لذلك كانت الهجرة تعبيرا عن المناخ الملائم للإسلام بدلالة اسم المكان الجديد ” المدينة ” وتعبيرا عن رفض المحمول الثقافي للقرية، ومثل ذلك ثابت بالنص، فالقرآن حين يتحدث عن مكة فهو لا يتجاوز ملفوظ القرية إلى غيره وحين يتحدث عن يثرب كمكان جديد حاضن للرسالة المحمدية فهو يسميها بالمدينة وفي ذلك دلالة حضرية ذات بعد نظري عميق لم يقف عنده أرباب المذاهب ولا علماء الكلام كما وقفوا عن باب الطهارة والنجاسة وباب النكاح.
فالهجرة تشكل حالة انتقال من عصبية القرية إلى روح التعايش المدني الذي شكلته يثرب بتعددها الثقافي وبقيم التعايش الذي أسسته صحيفة المدينة وهي وثيقة كانت تنظم العلاقة بين أطياف المجتمع في المدينة من مهاجرين وأنصار وعرب مشركين ويهود ونصارى وهذه الوثيقة تمثل أول دستور لتأسيس الدولة الإسلامية الجديدة، معنى ذلك أن الإسلام مدني بطبعه، وجوهره التعايش والسلم والتسامح،
هذا المعنى الكبير الذي اشتغل عليه الفكر الإنساني، وتأسس بثورات في المجتمع الإنساني كالثورة الفرنسية وغيرها نحن كعرب وكمسلمين كنا أول من وضع مداميكه الأولى وصرفنا فكرنا عنه بالصراعات، وملأنا الفراغ بالغرائز التي طال جدالنا الفكري حولها تبريرا وتفنيدا وتشريعا وقياسا وإجماعا .
لا أعتقد أن فكرة التاريخ الهجري كانت فكرة عفوية غير مدعومة بالعناية الالهية بل ندرك عناية الله فيها حتى يقيم الحجة على الذين يتخذون الدين ومصالح البشر لهوا ولعبا وعبثا فكريا، وحتى يتذكر المسلمون كل عام جديد أن الهجرة صيرورة زمنية وحالة انتقال من عصبية القرية وغبنها واستغلالها وتمايزها الطبقي وعبوديتها إلى فضاء الإسلام وحريته ومساواته بين الخلق في الحقوق والواجبات، فكل فكرة مدنية معاصرة اشتغل عليها المفكرون عبر القرون والأزمنة نجد له جذرا في الفكر الإسلامي سواء في مصادر التشريع أو غيرها، فعهد الأمم المتحدة في حقوق الانسان وجدناه اسما ومصطلحا ومعنى وقيما ومبادئا في عهد الإمام علي عليه السلام للأشتر، ومبدأ المساواة نجده في السير مبثوثا لمن ألقى السمع أو كان بصيرا فالأمام علي عليه السلام يقف بين يدي القاضي وكان أميرا للمؤمنين دون أن يمنعه سلطانه من الامتثال للحق، وهذا نجده اليوم في العالم من حولنا – ونحن من سبق العالم اليه – ولكننا تركناه وتمثلوه .
ما يجب أن ندركه في هذا المخاض العسير الذي تمر به الأمة أن الذات تشعر بفراغ وبفقدان حلقات مهمة في سلسلة التراكم التاريخي والامتداد الحضاري وترميم المتصدع وإعادة الحلقات المفقودة إلى سياقها الحقيقي يتطلب جهدا مضاعفا فالذات التي تشعر بالفراغ الحضاري والفراغ التاريخي لا يمكنها التفاعل مع اللحظة الحضارية الجديدة لأنها تشعر بفقدان القيمة وتشعر بالاغتراب الحضاري والاغتراب التاريخي وبالتالي الاغتراب عن اللحظة الجديدة
والاشتغال على قيم السلام الاجتماعي والتماسك في عرى الأمة يتطلب مهارات ذهنية وثقافية وقواعد منطق سليم، لذلك فالفرق التي تشتغل على حالات الانقسام الاجتماعي، وتحاول تعميق ثقافة الثأر والعداوات على أسس مذهبية وطائفية تشكل خطرا على مستقبل الأمة.
لذلك نقول أن التركيز على بناء الإنسان بناء سليما يجب أن يكون من أولويات المرحلة، وتفعيل دور المؤسسات الثقافية – بكل تعددها الاجتماعي والثقافي والعقدي – للقيام بوظائفها في البناء الإنساني ويفترض أن يأخذ حظه من الاهتمام والتركيز والعناية، وإذا كنا نردد في خطاباتنا أن الإنسان هو هدف التنمية ومحورها، فمثل ذلك التوجه يقتضي التركيز وبشكل محوري على أساسيات البناء وأدواته وتحسين جودة الأداء وإطلاق العنان لخاصيتي الإبداع والابتكار.

*نقلا عن :الثورة نت

تعليقات:
    قيامك بالتسجيل وحجز اسم مستعار لك سيمكنكم من التالي:
  • الاحتفاظ بشخصيتكم الاعتبارية أو الحقيقية.
  • منع الآخرين من انتحال شخصيتك في داخل الموقع
  • إمكانية إضافة تعليقات طويلة تصل إلى 1,600 حرف
  • إضافة صورتك الشخصية أو التعبيرية
  • إضافة توقيعك الخاص على جميع مشاركاتك
  • العديد من الخصائص والتفضيلات
للتسجيل وحجز الاسم
إضغط هنا
للدخول إلى حسابك
إضغط هنا
الإخوة / متصفحي موقع الجبهة الثقافية لمواجهة العدوان وآثاره نحيطكم علماُ ان
  • اي تعليق يحتوي تجريح او إساءة إلى شخص او يدعو إلى الطائفية لن يتم نشره
  • أي تعليق يتجاوز 800 حرف سوف لن يتم إعتماده
  • يجب أن تكتب تعليقك خلال أقل من 60 دقيقة من الآن، مالم فلن يتم إعتماده.
اضف تعليقك
اسمك (مطلوب)
عنوان التعليق
المدينة
بريدك الإلكتروني
اضف تعليقك (مطلوب) الأحرف المتاحة: 800
التعليقات المنشورة في الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر عن رأي الموقع   
عودة إلى مقالات ضدّ العدوان
الأكثر قراءة منذ أسبوع
نصر القريطي
أكذوبة قطع الأسلحة عن "إسرائيل" جريمة حرب امريكية جديدة..!
نصر القريطي
الأكثر قراءة منذ 3 أيام
رشيد الحداد
تجدّد مسلسل فقدان الكهرباء: «الانتقالي» و«الرئاسي» يتناحران
رشيد الحداد
الأكثر قراءة منذ 24 ساعة
طاهر محمد الجنيد
اليمن وخطورة التحركات الأمريكية
طاهر محمد الجنيد
مقالات ضدّ العدوان
رشيد الحداد
الحوثي يفتتح مرحلة تصعيد رابعة: تهدئة غزة ليست نهاية المعركة
رشيد الحداد
عبدالقادر عثمان
أعذر من أنذر
عبدالقادر عثمان
مجاهد الصريمي
شيءٌ من قاموسنا الجديد
مجاهد الصريمي
طاهر محمد الجنيد
أهمية بناء الشباب لمواجهة تحديات العصر
طاهر محمد الجنيد
فضل فارس
مساعي الأمريكي بعد الإقرار بالفشل والهزيمة في المياه الإقليمية
فضل فارس
طه العامري
"إسرائيل" فوق القانون الدولي.. لماذا؟!
طه العامري
المزيد