يمرُّ اليوم الذين آثروا بيع الوطن على الانتصار له في ظروف حربه مع عدوه التاريخي في أسوأ حالاتهم النفسية والوجودية , فقد وصل بهم الحال إلى ذات النقطة التي وصل اليها أسلافهم من الذين يختانون الله والرسول والاوطان في كل مراحل الـتاريخ المختلفة العربية وغير العربية, فالثابت في التاريخ العربي أن أبا رغال- الذي نبذته الذائقة القيمية اليمنية لتعاونه مع أبرهة الذي أراد هدم الكعبة – ظل محط سخرية أهل اليمن وكان قبره مرجوما الى زمن قريب , ومثله وزير آخر خلفاء بني العباس علي ابن العلقم الذي أراد أن يحفظ لنفسه يدا عند هولاكو، فكان مصيره الموت وفق الكثير من الروايات الـتاريخية , على يد هولاكو نفسه الذي أنكر علي ابن العلقمي خيانته لخليفته ولوطنه ,ولم يستبعد منه أن يقوم بذات الدور إذا استخدمه في شأن من شؤون الدولة ,وفي التاريخ العالمي ثمة رواية منسوبة الى هتلر تقول:
” إن خائنا ساعد هتلر على غزو بلده وحين مثل بين يدي هتلر أراد ذلك الخائن تقبيل يد هتلر، فرفض هتلر ذلك قائلا مقولته المشهورة : “يد هتلر لا يقبِّلها خائن ساعدني على احتلال بلده ولكن لمثلك المال”، ووهبه حفنة منه ,وخرج مدحورا مكسورا ,وهذا هو الحال الذي أصبح عليه المرتزقة اليمنيون في الرياض, فقد تحدثت المصادر الإعلامية عن ضيق سلطة الرياض بهم ,ومنحتهم تعويضا ماديا مقابل خدمتهم ,وطلبت منهم مغادرة الرياض والبحث عن أماكن بديلة لهم ,وقيل إن الرياض فرضت الإقامة الجبرية على الفار هادي وطغمته ,والزنداني وبعض عترته , ولعل المتأمل لمنشور اليدومي الذي نشره على صفحته بشبكة التواصل الاجتماعي “الفيس بوك ” – قبل زمن – يدرك حالة الانكسار, وكميات القهر التي تختزنها حروف ومفردات المنشور, وفي خاتمة منشوره- التي كانت تعبيرا عن معادل موضوعي للمآل الذي أصبح فيه – قال اليدومي إن حزبه لن يجلس على قارعة الطريق ولكنه سيكون معنيا بصناعة التاريخ , ولا أدري عن أي تاريخ يتحدث بعد أن أصبح هو وحزبه خارج دائرة التاريخ ودائرة الصناعة .
كنت قد كتبت مرات عديدة متحدثا عن أثر الحس الأمني القلق لليدومي ,وأثر التقية والمسكنة التي يبديها عبدالوهاب الآنسي على حزب الإصلاح ,وعلى مستقبله ,ولكن لم يستبن الرشد أحد من قادة الإصلاح, ولعل الموقف الأخير الذي بات عليه الإصلاح يدعوهم للمراجعة والوقوف أمام المحطات والأحداث ومراجعة الحسابات والسياسات ,وهي دعوة كنت قد أطلقتها قبل زمن ,وأخذتهم العزة بالإثم الى هذه المآلات, واليوم يتحدث عن ضرورة هذا المبدأ بعضهم كالحزمي ,وبعض شركائهم ,كياسين سعيد نعمان ,الذي ناله منهم أذى كثير فكتب دفاعا عن نفسه كلاما ناقدا في غاية الحدة والصرامة وهدد بكشف بعض الملفات ,وقد آثر الاخوان التهدئة خوفاً من الفضيحة التي يملك ياسين الكثير من الحقائق عنها.
زبدة القول إن اليمن لا يمكن أن تقبل خائنا ساعد محتلا على احتلالها وتدميرها, ومهما كانت التسوية السياسية التي ستكون في قابل الزمن إلا أن حقائق التاريخ القريب والبعيد تقول باستحالة بقاء الخائن على ترابها ,فضلا عن قدرته على التفاعل السياسي مع الاستحقاقات السياسية , فالذين يقتاتون سحت البيع والخيانة يدركون هذه الحقائق ولذلك شاعت في نفوسهم وصفاتهم الطمع والنهب والفساد وقد بدأت المؤسسات المالية الدولية تتحدث عن فسادهم ,وعدم قدرتهم على إدارة المؤسسة المالية , وتتحدث عن خطأ اجراء نقل البنك إلى عدن .
صناعة التاريخ لا يصنعها خائن مهما كانت المبررات ولكن يصنعها الذين يدافعون عن كرامة الوطن وعرض ابنائه ,وقد سطروا بدمائهم ملحمة تاريخية سيقف التاريخ خاشعا عند قدمها المقدس .
وما حدث في نهم خلال الأيام الخوالي من مطلع العام الجديد 2020م قد يفصح عن الحالة النفسية والاخلاقية التي تنتاب خونة العرض والأرض , ومن شاهد ما بثَّه الإعلام الحربي للجيش واللجان الشعبية يدرك أن الذين يقاتلوا من أجل المال ومن أجل الدنيا قلوبهم خواء ترهقهم الذلة والمسكنة وقد باءوا بغضب من الله ومن الناس اجمعين , مشاهد ” نهم ” كافية – رغم توفر الامكانات ورغم التفوق في العدة والعتاد – أن تقول أبلغ الرسائل للذين يتاجرون بدماء الناس وبمصير شعبهم ووطنهم .
وعملية “البنيان المرصوص ” ومن قبلها عملية ” نصر من الله ” قد تصبحان مادة تاريخية في المعادلة الإيمانية والمادية ,وجدلية القوة في الفكر العسكري وربما في الدلالة العقائدية , فالباطل قد يبدو كثيرا وقويا ويملك القدرات لكنه ضعيف أمام قدرات الذات وإمكاناتها النفسية والايمانية , لقد قالت العمليتان إن القدرة الإيمانية هي الأقوى , وقالتا إن الفرد قادر على قلب الحسابات المادية وتفكيكها وعكس توجهاتها الفيزيائية وهي حالة لا يمكن القياس عليها إلا في اليمن وفي رجال اليمن وهم من وصفهم القرآن بأولي البأس الشديد في أكثر من موضع من كتابه الكريم , حتى كاد أن يذهب بعض مفسري القرآن الكريم الى تأويل النصوص التي تتحدث عن البأس كصفة ملازمة لأهل اليمن , وقد أفصح الواقع عن ذلك بما لا يدع مجالا للشك والريبة .
لقد امتلك الجيش واللجان الشعبية – بعد خمسة أعوام من العدوان الغاشم بكل ما ابتكره الانسان من أسلحة دمار شامل ومن حصار – زمام المبادرة، فهم الأقوى اليوم وهم الأقدر , وتلك معادلة لا تصنعها حسابات بشرية مطلقا وربما يعيد العقل البشري ترتيب نسقه ليفهم ما يحدث في اليمن اليوم , وعلى السعودية أن تدرك هذه الحقائق وتعيد بناء نفسها وعلاقاتها الجيوسياسية بما يتسق وواقع الحال قبل فوات أوانها , فأمريكا كشفت عن أوراقها وهي ذاهبة إلى الزوال ولن تحميها لأنها سوف تبحث عن نفسها في قابل الأيام .