|
الاقتصاد المعرفي وحرب المعلومات
بقلم/ عبدالرحمن مراد
نشر منذ: سنة و 11 شهراً و 22 يوماً الجمعة 21 أكتوبر-تشرين الأول 2022 06:45 م
في عالم اليوم تحتل المعلومات مكان الصدارة من جدول الاهتمامات، إذ تعاظمت أهميتها بفعل التطورات التقنية والاتصالية وما نجم عن كل ذلك من وفرة المعلومات وسهولة الاستخدام والتوظيف في عالم أصبح مفتوحاً دون حدود ودون هويات محلية فالعولمة كادت أن تجعل منه قرية صغيرة ذات تجانس وتقارب ثقافي حيث كادت الفوارق أن تذوب وتداخلت المصالح وانفتحت الأسواق العالمية ونشطت التجارة الحرة وأصبح من الميسور للفرد أن يتجول في الأسواق العالمية من مكانه ويجري عملية الشراء والتحويل وهو في مكانه دون أن يتحرك .
هذا الواقع الجديد أفرز تنافسا دوليا فكل طرف يسعى وراء تطوير معلوماته ومنتجه التقني حتى يسيطر على السوق العالمية من خلال توسيع دائرة الخدمات التقنية وتطويرها الأمر الذي ترك المستهلك في حالة ذهول وملاحقة للتطورات المتسارعة التي فرضتها ضرورات التنافس بين الشركات الدولية.
وتبعاً لذلك تشتعل حرب المعلومات بين الدول التي تريد فرض سيطرتها على الفضاء الكوني لضمان مصالح شركاتها من صناع المعلومات, وفكرة المعلومات أضحت اليوم مصطلحاً دالاً على الصراع الوجودي السياسي والاقتصادي في عالم متحرك في فضاء المعرفة المتسارعة, وقد انتقل الصراع بين الأمم والشعوب من أفواه البنادق إلى تطبيقات الكمبيوترات والأجهزة الحديثة وفي ابسط تعريف لحرب المعلومات هو ..” القول أنها الطريقة الأفضل لاستثمار نظم المعلومات لتحقيق حالة من التفوق على الآخر وفرض الخطاب الموجه إليه بعد إضعاف آليات دفاعه المعلوماتية وإفشال خططه المعتمدة على صناعة المعلومات وطرق معالجتها فكريا وفنيا بغية استخدامها للتأثير في الجمهور وتغيير قناعاته أو توجيه سلوكه بما يتناسب والأهداف المرسومة لكل طرف ” .
في عالمنا المعاصر تغيرت أسس ومحاور القوة الاقتصادية للأمم والشعوب فالأمم التي بدأت بالقوة البخارية ها هي تحط الر حال عند الاقتصاد المعرفي منذ عام 1990م وهو العام الذي شهد انهيار المنظومة الاشتراكية وتفردت أمريكا بقيادة العالم .
ومنذ عام 1990 وليومنا هذا ” اتسمت هذه المرحلة بسيطرة الحواسيب والأجهزة الإلكترونية على القوة الاقتصادية للدول، وأصبح يُطلق على الدول المُخترعة والمطورة لأنظمة الحواسيب والمعلومات بالدول ذات الاقتصاد المعرفي، بمعنى أصبح الاقتصاد المعرفي هو أحد أهم المعايير الأساسية المحددة لتطور الدول وتقدمها، وأصبحت الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا واليابان والصين وكوريا الجنوبية والهند وغير أولئك هم الدول الرئيسية في هذا المجال، الذي بات يشكل القوة الاقتصادية في عصرنا الحالي، والذي يتصف بانخفاض تكلفته الإنتاجية وتراكم أرباحه الهائلة مع مرور الوقت، على العكس من الأفرع الاقتصادية الأخرى التي قد تنخفض تكلفتها الإنتاجية ولكن تنخفض أرباحها لاكتفاء السوق منها بعد فترة من الزمن ” .
يقول خبراء الاقتصاد أن المثير للاهتمام هو ما يحدث الآن ” فبينما تمثل تقنية المعلومات إلى حد كبير المحرك الدافع لعصر المعرفة، فإن الجزء الأعظم من الابتكارات في المستقبل التي تؤدي إلى النمو الاقتصادي ليس من المرجح أن تكون ناتجة من التقنيات والمنتجات القادمة من المعامل بل من تطبيقاتها خارج المختبرات. كما أن الأنشطة والأعمال التي يشارك بها الأفراد، سواء كانوا مستهلكين أو مقدمين للخدمات، سوف تكون ذات أهمية خاصة. وهذا يعني أن فرصاً أكبر من أجل الابتكارات، والإنتاجية، وخلق فرص العمل، والنمو الاقتصادي يمكن الآن تحقيقها من خلال تطبيق التقدم الهائل في تقنية المعلومات والإنترنت، والتقنيات متناهية الصغر لمعالجة مشكلات سوق العمل والمجتمع عموما، في مجالات الصناعة، والرعاية الصحية والتمويل، ووسائل الإعلام. ولا شك في إن الاستثمار في أسواق تقنية المعلومات سيكون جوهر الاقتصاد القائم على المعرفة.”
فالمعرفة انبثق عنها اقتصاد المعرفة وهو الفاعل في عالم اليوم وعلى أبعادها تم بناء اقتصاديات قائمة على المعرفة وهي اقتصاديات تحقق التنمية المستدامة في ظل تبدل الموارد الفاعلة في النمو والتنمية والوعي بالمحيط والتموج المعرفي والحضاري يجعلنا عناصر فاعلة متأثرة ومؤثرة ومن المعيب الاستمرار تحت طائلة التأثر فقط .
بعد أن تراجع المد الاشتراكي وتفرد النظام الرأسمالي بقيادة العالم لم يكن هناك من خيار سوى تمثيل وتجسيد أهداف جديدة تتسق والحال الجديد, فكانت العولمة من أبرز إفرازات التكنولوجيا الرقمية الذي سعى النظام العالمي الجديد من ورائها إلى فرض نموذجه الفكري والثقافي، وذلك من خلال استخدام سلاح المعلوماتية والاقتصاد الرقمي والبرامج الإلكترونية المتنوعة والهادفة إلى صهر الخصوصيات وإشاعة هوية عالمية موحدة وبحيث يصبح الإنسان كائنا كونيا بالمطلق وكان الهدف السياسي من وراء كل ذلك هو فرض ثنائية الخضوع والهيمنة على الشعوب وتحويل الأوطان إلى أطراف تابعة للمركز وتلك هي سياسة القطب الواحد القائم على نظم الرأسمالية وهي نظم تسعى إلى تحويل العالم إلى أسواق استهلاكية مفتوحة للتجارة الحرة وسوقا للتقنيات والتطبيقات والبرامج وهي تستغل حالة التفوق المعلوماتي ليكون بديلا عن النظريات والأفكار والخصوصيات والايديولوجيات والأديان والعقائد ولم يقتصر الدور على تفكيك المقدس في خصوصيات الشعوب بل تجاوز ذلك إلى التأثير والتحكم وتغيير القناعات ودمج الثقافات في ركب المجتمع العالمي الشمولي .
فمن أهم السمات التي يتميز بها هذا العصر هي سمة تفجر المعلومات، والطوفان الكبير منها حيث تنتشر كل لحظة بلا حدود، حتى أصبح التحكم في هذه المعلومات والسيطرة عليها من الأمور البالغة الصعوبة عن ذي قبل.
وهذه القفزة كانت نتيجة التقدم التكنولوجي والحضاري، الذي أثر تأثيراً كبيراً في حياة الإنسان، بسبب الطفرة العلمية الكبيرة.
وتقدم الإنسان في علمه واكتشافه بدرجة تفوق كثيراً كل ما مر خلال تاريخه الطويل من اكتشافات وحضارة فالباحث أو الكاتب أو المفكر لا يستطيع أن يلم بجزء صغير جداً مما كتب في مجال تخصصه، لتعدد أشكال نشر المعلومات وأوعيتها، وتعدد لغات النشر.
فالعالم اليوم يعيش واقعا مختلفا تماما حيث يستخدم الفضاء وطائرات التجسس من دوم طيار ويقوم ببناء أبراج مراقبة عن بعد ويكشف الخطط ويقوم بسرقة المعلومات عن طريق الاختراق – الهاكرز – لكشف القوة المعلوماتية لدى الآخر وتدمير الخطط والتحضيرات ومعرفة مواقع القوة والضعف وبالتالي يقوم بالبناء على أسس جديدة تنسجم مع التحديات والتطورات الحديثة وتتصاعد حدة المنافسة بين الشركات والمؤسسات والدول, فصانعو المعلومات واستخداماتها تقف وراءها مؤسسات وشركات دولية عملاقة تعمل على إدارتها لتحقيق غايات ومقاصد مرسومة بدقة متناهية والغاية الكبرى هي استمرار ثنائية الهيمنة والخضوع لشعوب العالم .
وقد أضحى من الضرورة اليوم إيجاد تشريعات تختص بالاستخدام المعلوماتي ومعالجة المشاكل المتعلقة به وخوض غمار التجربة التقنية في الإنتاج وتنمية بنية متخصصة في استثمار المعلومات وضمان الأمن المعلوماتي والفكري بغية تحصين المواطن من الانحراف ومواكبة العصر من حيث التأثر والتأثير . |
|
|